المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر و دورها فى حل مشكة البطالة "دراسة لواقع التجربة المصرية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

مقدمة
مما لاشك فيه أن الموارد البشرية بصفة عامة تمثل لأى دولة أعز مواردها وأغلاها بحكم ما تمتاز به من إمكانيات القدرة على تسخير الموارد الطبيعية المتاحة بهاء كما أن تقدم ورفاهية أى مجتمع يتوقف بالدرجة الأولى على كفاءة موارده البشرية فى استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة به، وليس أدل على ذلك مما نشاهده الآن من تجارب لبعض الدول كاليابان ومجموعة دول شرق آسيا التى لا تمتلك من الشروات الطبيعية إلا القليل، ومع ذلك أصبحت اليوم تُعد فى مصاف الدول المتقدمة وذلك بفضل حُسن استغلالها للموارد البشرية المتاحة لديهاء ومن ثم فإنه يجب على جميع الدول أن تهيئ أنظمتها وهياكلها الاقتصادية لإيجاد عمل لكل راغب فيه وقادر عليه من ناحية، وأن يعمل كل فردٍ فى المهنة التى تكون فيها إنتاجيته أعلى ما يمكن.
من ناحية أخرى، وذلك من منطلق أن وجود البطالة فى المجتمع ككل أو فى قطاع من القطاعات الاقتصادية بالمجتمع إنما يُعد بمثابة سوء استغلال أو تعطيل لجزء من قوةٍ العمل بالمجتمع ومن ثم ققدان لجانب كبير من الدخل القومى كان من الممكن تحقيقه لو تم استخدام قوة العمل المتاحة بكفاءة عالية.
هذا وقد شهد العالم مجموعة من المتغيرات العالمية المتلاحقة، ومن أهمها التحول من آليات التخطيط المركزى إلى أليات السوق، وتطبيق اتفاقية تحرير التجارةٍ العالمية WTO، وظهور الكيانات الاقتصادية مثل الأسيان والاتحاد الأوروبى... وثورةٍ التكنولوجيا وكإحدى الوسائل للتواؤم مع هذه المتغيرات ومقاومة الركود الاقتصادى تيرز أولوية الاهتمام بالمشروعات الصغيرةٍ (القطاع غير الرسمى) فهى تُعتبر أحد السبل لمعالجة مشكلة البطالة.
هذا وقد شهدت الدول المتقدمة زيادة فى معدلات إقامة تلك  المشروعات ومن بينها - على سبيل المثال - الاتحاد الأوروبى، حيث أدركت القيادات الأوروبية أهمية تلك المشروعات كعمود فقرى للنمو الاقتصادى والمنافسة الحرة لما تتمتع به من قدرةٍ على المقاومة. فرغم الضرائب والتأمينات الاجتماعية الكبيرة إلا أن قطاع المشروعات الصغيرة فى الاقتصاد الأوروبى يُعد القطاع الذى يُوفر وظائف جديدة ويحمى الوظائف الحالية.
ومن ذلك يتضح لنا أهمية الدور الذى تلعبه المشروعات الصغيرة فى اقتصاديات الدول المتقدمة ومدى الاهتمام المتزايد الذى تلقاه من جانب المؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية.
كما تعد هذه المشروعات من الظواهر التى تلقى اهتماماً كبيراً فى الدول النامية ومنها - على سبيل المثال - إندونيسيا حيث تواجه الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالعمالة وتوليد الدخل لأصحابالدخول المحدودة مما أدى لزيادة الاهتمام بمثل هذه المشروعات لمواجهة تلك المشكلات.
ومما هو معروف فإن الاقتصاد المصرى يُعانى من أربع مشكلات اساسية تتمّل فى التضخم» والعجز فى ميزان المدفوعات، والمديونية الخارجية، والبطالة([1]). هذا وتُعد مشكلة البطالة من أهم وأخطر المشاكل التى تواجه جميع دول العالم النامى منها والمتقدم، على اختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها السياسية والاقتصادية فى الوقت الراهن. وفى الحقيقة لم تعد مشكلة البطالة حالياً ظاهرةٍ دورية بل أصبحت ظاهرة بنيانية طويلة الأجل نظراً للارتفاع الحادث فى معدلات التضخم من ناحية والسرعة الجنونية فى الابتكارات التكنولوجية وما ترتّب عليها من تخلص واستغناء العديد من المؤسسات والشركات الضخمة لنسبة كبيرة من عمالتها([2]). كما أنه من الناحية الأخرى فإن قضية البطالة تعد بصفة عامة من القضايا ذات الجوانب والأبعاد المتعددة سواء من حيث كميتها أو من حيث آثارها الاقتصادية والاجتماعية. فمن المعروف أن الاقتصاديين يهتمون بإلقاء الضوء على أشكال البطالة وأنواعها وأسبابها، ومن المعروف أيضاً أن علماء الاجتماع والقانون ينظرون إلى البطالة باعتبارها ظاهرة من الظواهر السلبية التى يترتب عليها الكثير من المشكلات الاجتماعية والأمنية بالمجتمع.
ومن الملاحظ أن الصور والأشكال التى تتخذها البطالة تختلف من مجتمع لآخر على حسب الظروف  الاقتصادية والاجتماعية السائدة فى هذا المجتمع. فقد تأخذ البطالة صورة سائدة أو صريحة  Open Unemployment  وذلك عندما لا يتمكن جزء كبير من القوة العاملة من الحصول على العمل بالأجر السائد بالرغم من رغبته فيه وقدرتّه عليه، وقد تأخذ صورةٍ مستترة أو مقنعة Disguised Unemployment فى حالة احتواء الوحدة الإنتاجية لقوة عاملة أكبر من القوة العاملة المتلى فى ظل المعارف التكنولوجية السائدة، لذا فإنه يمكن الاستغناء عن هذا الفائض دون حدوث نقص فى الإنتاج. وعلاوة على هاتين الصورتين الشائعتين فإن هناك صور أخرى للبطالة كالبطالة التكنولوجية الناشئة عن استخدام  الأساليب التكنولوجية، أو البطالة العرضية أو الموسمية التى تظهر فى مواسم معينة من العام... وغيرها من صور البطالة.هذا ومن المتعارف عليه أن مشكلة البطالة قائمة، وأنها تتصاعد فى مصر بشكل مستمر ومتزايد.
وقد ذكر البعض([3]) أن مشكلة البطالة فى مصر تتسم فى الوقت الراهن ببعض السمات والخصائض، منها المعدلات المرتفعة للبطالة السافرة، خاصة بين النساءً والشباب والمتعلمين منهم على وجه الخصوص، كذلك تظهر مشكلة التشغيل الناقص فى بعض القطاعات والتى يطلق عليها (البطالة المقنعة)، وهى أحد أنواع البطالة فى مصر، والتى ظهرت نتيجة للنظام الاشتراكى الذى يقوم على أساس النظام المركزى، والتخطيط الموجه، حيث كان إلحاق العمالة بمراكز الإنتاج، يقوم على اعتبارات سياسية، وليست اقتصادية، ونتيجة حدث تضخم فى عدد العمالة بما لا يقابله إنتاج حقيقى([4]).
وفى مصر فإنه فى ظل سياسات الإصلاح الاقتصادى والتحول من نظام الاقتصاد الموجه إلى نظام اقتصاديات السوق أنشئ الصندوق الاجتماعى للتنمية، عام ١199 بهدف تخفيف وطأة إجْراءات الإصلاح الاقتصادى عن كاهل محدودى الدخل وتوفير فرص عمل للمساهمة فى حل مشكلة البطالة والتعامل مع الآثار الجانبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى([5])
وذلك من خلال تنمية المشروعات الصغيرة وبالتالى يُشارك الصندوق الاجتماعى مشاركة مؤثرةٍ وفعالة فى تنمية الاقتصاد القومى. وهذا يدل على اتجاه مصر وجميع الدول النامية فى الوقت الحالى نحو تشجيع ودعم المشروعات الصغيرة، باعتبارها أحد الحلول الواعدة والسريعة لمعالجة مشكلة البطالة، وربما تعمل على دفع التنمية الشاملة المتوازنة للمجتمع فى مختلف الأنشطة.
هذا ونقوم بتقسيم هذا البحث إلى الفصول الآتية:
الفصل الأول: نشأة وتطور المشروعات الصغيرة فى مصر.
الفصل الثانى: مضمون البطالة فى الفكر الاقتصادى.
الفصل الثالث: مفهوم المشروعات الصغيرة وخصائصها.
الفصل الرابع: التجربة المصرية فى مجال المشروعات الصغيرة.
الفصل الخامس: سياسات تنمية المشروعات الصغيرة فى مصر.
الفصل السادس: سياسات تنمية المشروعات الصغيرة فى مصر
 
 
([1]) د. سعيد النجار، نحو استراتيجية قومية للإصلاح الاقتصادى، دار الشروق، 1991، ص38، اهتمت المادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة برفع مستوى المعيشة وتحقيق التوظف الكامل وتوفير وسائل التقدم الاجتماعى والاقتصادى بين دول المنظمة. ويعنى التوظيف  الكامل لدى الاقتصاديين أن كل من يحتاج إلى عمل بالأجور السائدة وفى الأوقات المقررة يجده بدون صعوبة كبيرة. راجع فى تعريف البطالة وأنواعها.
([2]) د. عبد الراضى عبد الدايم عزوز، د. صلاح على صالح فضل الله، دور المشروعات (الصناعات) الصغيرة فى حل مشكلة البطالة بالبنيان الاقتصادى المصرى، مجلة (=)
(=) البحوث القانونية والاقتصادية، (عدد خاص)، الأوضاع القانونية والاقتصادية للعمال فى ظل المتغيرات المحلية والعالمية، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، المجلد الثانى، العدد الحادى والعشرون،  أبريل 1997 ص907.
([3]) محمد عبد الغنى حسن هلال، دراسات سكانية، مهارات تطوير الأداء، مركز تطوير  الأداء والتنمية، 1995، ص 95.
([4]) المرجع السابق، ص 96.
([5])  منى قاسم، الإصلاح الاقتصادى فى مصرء، دور البنوك فى الخصخصة، وأهم التجارب الدولية، الهيئة العامة للكتاب، الأعمال العلمية، 1998،  ص١٠.

دكتــور

سيد طه بدوى

أستاذ الاقتصاد والمالية العامة

رئيس قسم المالية العامة والتشريع الضريبي

مديـر مركـز البحوث والاستشارات القانونية

كلية الحقوق – جامعة القاهرة

نائب مدير مركز التحكيم بجامعة القاهرة

المستشار القانوني لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

 

بحث مقدم للمؤتمر العلمى السنوى بكلية الحقوق جامعة القاهرة

والمعقود في الفترة من8/ 11 /2022 إلى 9 /11/2022