أثر تصرف الراهن في المال المرهون على حق الدائن المرتهن (دراسة بين القانون المدني المصري و قانون تنظيم الضمانات المنقولة رقم 115 لسنة 2015 )

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

1 - يعد الرهن من أهم الضمانات التي تؤمن للدائن المرتهن الحصول على حقه .بيان ذلك أن الأصل أن يعتمد الدائن في اقتضاء حقه على الضمان العام لمدينه حيث تنص المادة 234 من القانون المدني على أن : ( 1- أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه .
2 – و جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون )
إن ما يعيب الضمان العام من جهة أن يد المدين لا تغل عن إدارة أمواله ، و تبعا لذلك يمكن للمدين أن يتصرف في أمواله – معاوضةً أو تبرعاً – بما قد يؤدي إلى إعساره . و من جهة أخرى فإن الدائنين متساوون في الضمان ، و هو ما يعني أن أحداً منهم لا يستطيع أن يدعي لنفسه تقدماً عند التنفيذ على أموال المدين .
في عبارة واحدة فإنه في وقت التنفيذ يمكن أن يصطدم جميع الدائنين بعدم كفاية أموال مدينهم مما يلجئهم إلى اقتسام حصيلة التنفيذ على أمواله قسمة غرماء .
و تلافياً لهذه العيوب ابتدع الفكر القانوني نظرية التأمينات الخاصة التي نوهت عنها المادة 234 /2 مدني سالفة الذكر، حيث قررت في عجزها أن قاعدة المساواة بين الدائنين تستبعد إذا كان لأحدهم حق التقدم وفقاً للقانون .
و تتخذ التأمينات الخاصة إحدى صورتين :
الأولى تتمثل في ضم أكثر من ذمة في التحمل بالدين إما على أساس أن يكون الدين مطلوباً بصفة أصلية من أكثر من مدين في نفس الوقت كما في التضامن السلبي و الكفالة التضامنية ، و إما أن يكون الدين شاغلاً لذمةٍ معينةٍ على سبيل الأصل و لذمةٍ أخرى على سبيل الاحتياط كما في الكفالة غير التضامنية ، و لا يخفى أنه من المتصور – رغم تعدد الذمم – أن يصطدم الدائن بإعسار تلك الذمم فيواجه صعوبة الحصول على حقه كما لو كان يطالب به المدين وحده .
أما الصورة الثانية فهي تقوم على تخصيص مال من أموال المدين و تحميله بحق عيني تبعي لصالح الدائن ، بحيث يخصص هذا المال لوفاء الدين و يكون للدائن بمقتضى الحق العيني التبعي الذي له على المال أن يتقدم على جميع الدائنين العاديين و الدائنين أصحاب التأمينات العينية التالين له في المرتبة في اقتضاء حقه من ثمن هذا المال أو من أي مال أخر يحل محله في أي يد يكون .
و قد وردت التأمينات العينية في القانون المدني على سبيل الحصر و هي: (الرهن الرسمي و حق الاختصاص و الرهن الحيازي و حقوق الامتياز ) .
و قد أضاف المشرع بموجب القانون رقم 115/ لعام 2015 نوعاً جديداً من التأمينات العينية يرد على المنقولات و يعتمد على الشهر الالكتروني الذي يغني عن نقل الحيازة من مقدم الضمان إلى المضمون له.
و يعد الرهن بصوره المختلفة أهم هذه التأمينات، و ذلك بالنظر إلى أن حقوق الامتياز لا تنشأ إلا بنص القانون في حالات خاصة يرى المشرع فيها ضرورة تقدم الدائن في استيفاء حقه على غيره من الدائنين .
أما حق الاختصاص فهو أضيق نطاقاً بكثير لأن الحصول عليه يتم من خلال إجراءات قضائية ، نظرا لأن الحق لا ينشأ إلا بحكم القاضي ، و فضلاً عن ذلك  فإن الحصول على حق الاختصاص يقتضي يكون بيد الدائن سند تنفيذي بالحق ، فإذا كان الوضع كذلك فما الذي يلجئ الدائن إلى السعي للحصول على حق عيني يقوم بقيده و يتحمل نفقات حراسة العقار و حفظه بدلاً من التنفيذ المباشر على أموال المدين[1] . 
أما الرهن فنظراً لأنه تأمين اتفاقي ( ينشأ من عقد بين الراهن و الدائن المرتهن ) فإن مجاله أرحب بكثير نظراً لقدرة الإرادة على إنشائه أياً كانت طبيعة الدين أو مقداره .
2 - و من المعلوم أن الرهن لا يجرد الراهن من حق الملكية و إنما يُحمل المال المرهون بحق عيني تبعي لصالح الدائن المرتهن .فالراهن يظل مالكاً متمتعاً بكافة السلطات التي يمنحه إياها حق الملكية ، و أهمها سلطة  التصرف في المال المرهون سواء كان هذا التصرف قانونياً أو مادياً . [2]
و قد نص المشرع في خصوص الرهن الرسمي على حق الراهن في التصرف في العقار المرهون في المادة 1043 مدني و التي تقضي بأنه : (  يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون ، و أي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن ). و مؤدا هذا النص أن الراهن يستطيع - حتى بعد قيد الدائن المرتهن لحقه و صيرورة هذا الحق حجة في مواجهة الغير – أن يتصرف في العقار المرهون بنقل ملكيته إلى الغير معاوضةً أو تبرعاً أو بتحميله بأي حق عيني أصلي أو تبعي لصالح الغير ، و فضلاً عن ذلك فالراهن يمكنه أن يجري بعض التعديلات المادية على العقار المرهون ، ولا يتقيد الراهن في قيامه بكل ذلك إلا بوجوب مراعات حق الدائن المرتهن على العقار ، و هو ما يقتضي ألا يؤدي التصرف إلى إضاعة الضمان كليةً أو إلى إنقاصه انقاصاً كبيراً ، إلى الحد الذي يصبح فيه غير كافٍ للوفاء بحق الدائن المرتهن[3] .
ليتبين مما تقدم أن استعمال الراهن لسلطة التصرف و إن كان يظل في إطار حقه كمالك إلا أنه يمكن أن يكون مصدر تهديد مباشر لحق الدائن المرتهن، فالراهن يمكن أن يزيد الأعباء العينية على المال المرهون و ذلك بتحميله برهون أخرى أو بحقوق عينية أصلية تنقص من قيمته، و قد يقوم بالتصرف في المال المرهون تصرفاً ينقل الملكية إلى شخص أخر معاوضةً أو تبرعاً ، ناهيك عن قدرة الراهن على إحداث تغييرات مادية في المال المرهون تؤدي إلى الحط من قيمته بدرجة تجعله غير كافٍ لضمان الائتمان الذي نشأ الرهن ضماناً له[4].
و قد حاول المشرع التوفيق بين سلطة الراهن في التصرف في المال المرهون و بين الحفاظ على حق الدائن المرتهن و ذلك عن طريق وضع تنظيم تشريعي متوازن ، يكفل للراهن سلطة التصرف في المال المرهون ، ويحمي الدائن المرتهن عن طريق سلطتي التقدم و التتبيع .
و مع ذلك فإن الدراسة المتأنية لهذا التنظيم التشريعي تكشف عن قصوره في بعض الحالات عن تقديم الحماية المنشودة للدائن المرتهن، و هذا القصور يظهر سواء في الرهون المنظمة في القانون المدني أو في الضمان غير الحيازي على المنقولات وفقا للقانون رقم 115/2015.
3  - سنحاول في هذه الدراسة بيان اثر تصرف الراهن في المال المرهون على حق الدائن المرتهن ، و ذلك ببيان الاثار السلبة لهذا التصرف و كيفية الحد منها ، على أن يكون معلوماً أن المعالجة لا تنصرف إلى مطلق التصرف القانوني  و إنما فقط إلى التصرفات القانونية الناقلة للملكية أو المنشئة لحق من الحقوق العينية الاصلية أو التبعية ، إضافة إلى التصرفات المادية التي يمكن أن تؤثر على القيمة الائتمانية للمال المرهون .
 
[1] - لذلك فإن بعض التشريعات العربية الحديثة عزفت عن تنظيم حق الاختصاص و أهملته تماماً كما هو الحال في القانون السوري و القانون الكويتي و القانون البحريني و القانون الأردني.
[2] - نظرية التأمينات في القانون المدني – شمس الدين الوكيل – مرجع سابق- 228 ./ * الحماية القانونية للدائن المرتهن في الرهن العقاري – منى بو قربة – مجلة بحوث و دراسات قانونية – العدد 13 – 2017 – ص 508 ./ الحقوق العينية التبعية – حمدي عبد الرحمن احمد- مرجع سابق – ص 65
 وقد قضت محكمة النقض بأنَّ  : ( الراهن يبقى مالكًا للعقار المرهون وحائزا له ويحتفظ بحقه في التصرف فيه، ولا يتقيد في ذلك إلا بعدم الإضرار بحق الدائن المرتهن ويستوي في ذلك أن يتصرف الراهن في كل العقار المرهون أو في جزء منه فقط، فإذا باعه أجزاء متفرقة إلى عدد من المشترين فللدائن المرتهن أن يتتبع كل جزء من العقار في يد من اشتراه كما يتتبع كل العقار في يد المشتري كما يقع باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون نظير ثمن معلوم أيا كان، ولو كان هذا الاتفاق قد أُبرم بعد الرهن، فقد أراد المشرع حماية الراهن من هذا الاستغلال المخالف للنظام العام، فنص صراحة على أن هذا الاتفاق يكون باطلا نقض مدني - الطعن رقم 9352 لسنة 66 قضائية بتاريخ 2009/7/7، مكتب فني 60  ص 782.
[3] - جابر محجوب علي – تعليق على حكم محكمة التمييز الكويتية في شأن مدى سلطة الراهن ( المقترض ) في التصرف في العقار المرهون ضمانا لقرض الرعاية السكنية ( الطعن بالتمييز رقم 70/2002 مدني – جلسة 20/5/2002 ) – مجلة الحقوق – جامعة الكويت  - مج 30- عدد 4 – 2006 – ص 402 .
[4] -  و يلاحظ أن المشرع قد أولى عناية كبيرة لحماية الدائن المرتهن من تصرفات الراهن التي تتعلق بالانتفاع بالمال المرهون ( مثل تأجير المرهون أو قبض الاجرة مقدما أو الحوالة بها عن مدة مستقبلة  مادة 1045 – 1046  مدني) ، أما بالنسبة لتصرفات الراهن التي تؤدي إلى نقل ملكية المال أو ترتيب حق عيني اصلي أو تبعي لصالح الغير عليه فلم يتطرق إليها المشرع إلا بنص وحيد هو المادة 1043 مدني التي تجيز للراهن التصرف في العقار المرهون دون أن يؤثر على حق الدائن المرتهن . ثم بين المشرع الجزاءات المترتبة على تصرفات الراهن التي تؤثر على حق الدائن المرتهن في المادة 1047 مدني و هي جزاءات ضعيفة لا تعدو أن تكون مجرد تطبيق للقواعد العامة.

الكلمات الرئيسية


أثر تصرف الراهن في المال المرهون على حق الدائن المرتهن

(دراسة بين القانون المدني و قانون تنظيم الضمانات المنقولة رقم 115 لسنة 2015 )

الأستاذ الدكتور / جابر محجوب على
أستاذ القانون المدنى بكلية الحقوق جامعة القاهرة
دكتور / حسين حسن الحموى
دكتوراة القانون المدنى كلية الحقوق جامعة القاهرة