التمويل الجماعي في ضوء أحكام القانون الدولي الخاص

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

مقدمة
شهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكثير من الدول، خاصة النامية منها، بيد أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعاني العديد من العراقيل، وتأتي في مقدمتها صعوبة الحصول على الموارد المالية اللازمة لتلبية احتياجاتها من البنوك والمؤسسات المالية، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة إيجاد بدائل تمويلية أخرى تعمل على سد الفجوة التمويلية التي ترهق مشروعات هذا القطاع.
 في هذا الصدد يشكل التمويل الجماعي أحد الآليات التمويلية الجديدة والمبتكرة, فهو يمثل حلا تمويليا مناسبا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة, حيث يعتمد على المنصات الإلكترونية لتمويل مشاريع وأفكار المبدعين ورواد الأعمال، ولقد أوجد تطور عمليات التمويل الجماعي ظهور العديد من الإشكاليات القانونية، مما دفع العديد من الدول إلى صياغة تشريعات لتنظيم هذا النوع الجديد من التمويل[1], هذا إلى جانب افتقاده لخصوصيات معينة تسمح له بالتهرب من قواعد تنازع القوانين، مما أوجد العديد من الإشكاليات بسبب تداخل قوانين الدول المختلفة، وأثار معه العديد من النزاعات المتعلقة بين الأطراف المتعاقدة، أهمها صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق على هذه العلاقات، ومما زاد الأمر تعقيدا؛ كونه يجري في عالم افتراضي، يعكس واقعا عالميا وتقنيا ومتنقلا في تطور كامل ومستمر يتحدى النظام القانوني التقليدي، ومن ثم فإن الأمر يتحدى بشكل مباشر قواعد القانون الدولي الخاص القائم على فكرة توطين العلاقات القانونية[2].
وبما أن التمويل الجماعي المقصود في هذا البحث, هو التمويل الذي يعني بممارسة تمويل المشاريع عن طريق جمع الأموال من عدد كبير من الناس من خلال منصات رقمية مرخصة[3], فهو لا يخرج عن كونه مجرد معاملة قانونية إلكترونية, حيث عرف قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية لإمارة دبي[4] المعاملات الالكترونية في المادة رقم 2، بأنها ” أي تعامل أو عقد أو اتفاقية يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل كلي أو جزئي بواسطة المراسلات الإلكترونية ..
والمعاملة القانونية الإلكترونية بطبيعة الحال ماهى إلا صورة من صور العقد الإلكتروني الذي يدور غالبا في نطاق عقود البيع أو تقديم الخدمات أو الإجارة أو الوساطة أو السمسرة أو الضمان أو القرض وغيرها من العقود. وهو في الغالب عقدا مختلطا، إذ أن المتعاقدين قد يكون أحدهما تاجرا ، وبالمقابل الطرف الآخر ليس بتاجر، ففي هذه الحالة لا يمكن اعتبار العقد عقدا تجاريا أو مدنيا، ولكن يمكن اعتباره عقدا مختلطا[5] .
وبناء عليه, يمكننا القول أن عمليات التمويل الجماعي, ماهي إلا معاملات قانونية إلكترونية, تخضع لأحكام العقد الإلكتروني.
 
  [1]تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دولة غربية تقوم بوضع تشريع ينظم عمليات التمويل الجماعي, وذلك في عهد باراك أوباما في عام 2012, حينما أصدر ما يعرف بقانون الوظائف, وعلى المستوى العربي كانت لبنان أول دولة عربية تصدر قانون "حشد التمويل" كأول قانون تشريعي ينظم عمليات التمويل الجماعي في المنطقة العربية (القانون رقم 15 لسنة 2013).
[2] يبين من خلال التدقيق لمنهج قواعد الاسناد في القـانون الدولي الخاص, أنهـا نصوص تتصف بالعمومية  والتجريد المفرط والذي لا ينبئ عن وجود حلا ذا طبيعـة خاصـة للحـالات التي تعرض أمام القضاء, هذا الواقع  نتج عنه صعوبة في توطين علاقات القانون الدولي الخاص, وبالتالي وفي كثير مـن الأحيان يمنح المشرع  القاضي سلطة تقديرية في سبيل إيجاد حل للقضية المعروضـة أمامه.
3 https://u.ae/ar-ae/information-and-services/business/crowdfunding, اخر تحديث 15 أبريل 2022.
[4] القانون رقم 2 لسنة 2002م.
[5] د. الياس ناصيف، العقد الالكتروني في القانون المقارن، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، سنة 2009، ص 43.

الكلمات الرئيسية


دكتور

قرني جنيدي قرني جنيدي

مدرس القانون الدولي الخاص

بكلية الحقوق -  جامعة القاهرة

2022م – 1443ه