الأقوال الشاذة في ميزان الشريعة الإسلامية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الشريعة الإسلامية کلية الحقوق - جامعة عين شمس

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله الذى أحکم التنزيل، وأکمل الدين، وأتم النعمة، ورضى لنا الإسلام ديناً.

 عصم نبيه r من الزلل، وأرشده ووفقه في القول والعمل، وأوحى إليه بتحذير أمته مما قد تقع فيه من تلمس هفوات بعض العلماء، وتصيد ما يقع فيه بعضهم من زلات فقال r فيما رواه کثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده y: "اتقوا زلة العالم, وانتظروا فيئته".([1])

ثم أما بعد,,,

 فقد وجد في بعض کتب التفاسير، وبعض الکتب الفقهية بعض الأقوال الشاذة، وقع فيها أصحابها لسبب أو لآخر، ثم وجدنا کثيراً في هذا الزمان يطالعونا في وسائل الإعلام بنشر تلک الأقوال الشاذة، وبعضهم يدافع عنها کأنها الحق المبين، بل ويستنکر کل إنکار لها، وکأنها من ثوابت الدين، ومن يفعل ذلک منهم إنما يفعله إما ظناً منه صوابها، وإما هو مدفوع -مع حسن نيته- بتلمس رخصة قد يکون لا محل لها، إلى غير ذلک من أسباب أخرى جعلت البعض يهتم بنشر تلک الأقوال، والدفاع عنها.

 وقد ألبست بعض تلک الأقوال على کثير من الناس –خاصة العوام- دينهم، وشوهت عندهم بعض الثوابت الفقهية، واختلط عند بعضهم الخطأ بالصواب، فأصبحوا لا يميزون بينهما، وهو ما يدعو إلى البحث بخصوص هذه الأقوال الشاذة وموقف الفقه الإسلامى منها.

موضوع الدراسة:

 تتعلق هذه الدراسة بالأقوال الشاذة في ميزان الشريعة الإسلامية، فهذه الأقوال زادت في الانتشار في العصر الحديث بعد أن اضمحلت وانطوت داخل طيات الکتب التى ذُکِرَت فيها، فيهدف البحث إلى بيان الحکم الشرعى للعمل بهذه الأقوال، أو نشرها، وإشاعتها.

مبررات الدراسة:

 تعد دراسة الأقوال الشاذة في هذا الوقت من الموضوعات الملحة؛ ويرجع ذلک إلى الأسباب التالية:

 1- زيوع نشر تلک الأقوال الشاذة –خاصة في وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة- وهو ما يجعل انتشار تلک الأقوال أسرع وأيسر من ذى قبل.

 2- انتقال الأقوال الشاذة مما يجب أن تکون عليه من إهمال وعدم اعتبار، إلى دخولها حيز النشر والإعمال، فقد أشار کثير من أئمة الفقه الإسلامى في کتبهم إلى بعض الأقوال الشاذة بغية إنکارها، وبيان ضعفها ووهنها، فلم يذکروها لنشرها، بخلاف ما عليه الحال -من البعض- في هذا العصر من تبنى تلک الأقوال، ونشرها بغية العمل بها مخالفين في ذلک ما کان عليه سلفنا الصالح.

 3- قيام بعض من ينقل تلک الأقوال بالتخريج عليها؛ إذ لم يکتف البعض بنشر تلک الأقوال الشاذة بل قام بالتخريج عليها تخريجات لا يرضى بها أحد من أهل العلم حتى من وقع في الأقوال الشاذة من أسلاف العلماء، وقد يرجع صاحب القول الشاذ عن قوله، ومع ذلک نجد من ينقله عنه وينشره، ويدافع عنه.

 کل هذه الأسباب دفعتنى إلى البحث في الأقوال الشاذة محاولاً إلقاء الضوء عليها بغية الوصول إلى الموقف الصحيح للفقه الإسلامى من تلک الأقوال.

 عل بحثى هذا يکون إسهاماً في وسائل إبعاد الناس عن الأقوال الشاذة تنقيباً، ونشراً، وعملاً، وتخريجاً.

نطاق الدراسة:

 يتحدد نطاق الدراسة بالتعرض للأقوال الشاذة کمصطلح علمى من حيث تحديد المقصود به، وتحليل موقف الفقه الإسلامي من العمل بالأقوال الشاذة، دون أن تتطرق الدراسة إلى حصر، أو جمع الأقوال الشاذة المتناثرة في طيات کتب الفقه الإسلامي، فجمع تلک الأقوال يخرج عن نطاق هذه الدراسة، وإن کان هذا لا يمنع الاسترشاد ببعض الأقوال الشاذة بغرض تحليلها، وبيان أسبابها، ويکون الهدف من ذکرها أيضاً بيان وهنها وضعفها کنماذج للأقوال الشاذة، دون القصد إلى جمعها في هذه الدراسة.

إشکالية الدراسة:

 تثير هذه الدراسة إشکالية هامة تتعلق بتحديد المقصود بالقول الشاذ؟ وبيان مدى اعتبار کل مخالفة لجمهور الفقهاء قولاً شاذاً؟ مع الإشارة إلى أهم الأسباب التي تؤدى إلى الشذوذ في الرأي؟ وبيان أنواع الشذوذ؟ وحکم عمل المجتهد بالقول الشاذ في الفقه الإسلامى؟ وهل يحق للمقلد أن يقلد إماماً في قول شاذ؟ وما حکم فتوى المفتى به؟ وهل ينقض قضاء القاضى حال قضائه بقول شاذ؟ إلى غير ذلک من الإشکاليات المتعلقة بمحل الدراسة.

منهج الدراسة:

 تقوم هذه الدراسة على المنهج التحليلى من خلال التعرض لبعض النصوص الفقهية التى ورد فيها مصطلح الشذوذ، مع الوقوف عليها وتحليلها لاستنتاج مفهوم الأقوال الشاذة في ذهن أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة، مع استنتاج الأسباب التى حدت بالبعض إلى الشذوذ الفقهى، وأنواع الشذوذ، وطريقة التعامل مع القول الشاذ أو العمل به.

وقد حرصت فى هذه الدراسة اتباع التالى:

 * عزو الآيات القرآنية الکريمة إلى مواطنها من القرآن الکريم، وذلک بذکر اسم السورة، ورقم الآية.

 * تخريج الأحاديث النبوية المطهرة من خلال الرجوع إلى کتب التخريج الأصيلة، مع بيان درجة الحديث وما قيل فيه، وذلک باستثناء ما ورد فى أحد الصحيحين، حيث أکتفى بالإشارة إلى المرجع منهما استناداً إلى أنهما لم يجمعا سوى الصحيح.

 * عرض اتجاهات الفقهاء فى المسائل التى عرضت لها، مع ذکر أدلتهم، وبيان وجه الدلالة، ثم عرض ما ورد من مناقشة لهذه الأدلة – إن وجد – ثم الترجيح بين المذاهب حسب قوة الأدلة دون التعصب لمذهب معين.

 * توحيد طريقة عرض اتجاهات الفقهاء فى کل مسألة عرضت لها، وذلک بالابتداء بالاتجاه المرجوح، والانتهاء بالاتجاه الراجح فى المسائل الخلافية التي عرضت لها، مع مراعاة الترتيب الزمنى للمذاهب الفقهية داخل کل اتجاه.

 * ذکر بعض النصوص الفقهية التي استقيت منها النتيجة -غالباً ما تکون في هامش البحث- بين علامتى تنصيص کما هى دون تصرف، توثيقاً لصواب استنتاجى، وإتاحة الفرصة لغيرى فربما يستنبط من تلک النصوص معنى لم أنتبه إليه.

 * القيام بالترجمة لأهم الأعلام الذين ذکرتهم في هذا البحث، بذکر نبذة مختصرة عنهم للتعريف بهم، مع الحرص على أن يکون ذلک من المراجع المتخصصة، مع وضع تلک الترجمة في هامش البحث.

خطة البحث:

 سيتم –بمشيئته تعالى- تناول هذا الموضوع والمعنون بــــــــــــــــــ: (الأقوال الشاذة في ميزان الشريعة الإسلامية) في مبحث تمهيدى، وفصلين، وخاتمة:

المبحث التمهيدى فى: تحول القصد من ذکر الأقوال الشاذة

الفصل الأول: تعريف الشذوذ الفقهى، وبيان أسبابه، وأنواعه

 وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الشذوذ الفقهى

المبحث الثاني: أسباب الشذوذ الفقهى

المبحث الثالث: أنواع الشذوذ الفقهى

الفصل الثاني: حکم العمل بالقول الشاذ في الفقه الإسلامى

 وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: حکم العمل بالقول الشاذ فى حق المجتهد

المبحث الثاني: حکم العمل بالقول الشاذ في حق المقلد

المبحث الثالث: حکم العمل بالقول الشاذ في حق المفتى

المبحث الرابع: حکم العمل بالقول الشاذ فى حق القاضى

الخاتمة: وفيها أهم النتائج المستخلصة من البحث، والتوصيات المقترحة.

وأسأل الله تعالى أن يهدينا الرشد في الفهم، والعرض، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل هذا العمل لوجهه تعالى، إنه ولى ذلک والقادر عليه.



([1]) سنن البيهقي الکبرى لأحمد بن الحسين البيهقى تحقيق/ محمد عبدالقادر عطا الجزء العاشر ص211 ط/ مکتبة دار الباز (مکة المکرمة) 1414ه- 1994م وقال فيه: "وکذلک رواه معن بن عيسى عن کثير".