تعويض فوات الفرصة الناشئ عن الإخلال بتبصير المريض دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بکلية الحقوق والعلوم الإدارية والسياسية جامعة باجي مختار عنابة, الجزائر

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمة:

کرست مبادئ ممارسة مهنة الطب بدأ بقسم أبيقراط (HYPPOCRAT) وانتهاء بالقوانين واللوائح المعاصرة([1])، جملة من الالتزامات الانسانية والاخلاقية، المنبثقة عن احترام إرادة المريض الحرة والواعية في تقرير مصيره وضمان سلامته وتکامله الجسدي، يتصدرها الالتزام بتبصير المريض باعتباره ابلغ تجسيد لذلک.

  غير أن التقيَد الحرفي بتطبيق القواعد التقليدية للمسؤولية في المجال الطبي بصدد هذه الالتزامات يؤدي في أغلب الأحيان إلى نتائج مجحفة، نتيجة دفع المسؤولية ورفض تعويض الضحايا، لتعسر إثبات علاقة سببية أکيدة ومباشرة بين الخطأ الثابت والضرر النهائي([2]), مما يثقل کاهلهم ويحملهم نتائج عدم اليقين العلمي، کما أنه يسمح للطبيب الذي ثبت خطأه بشکل قاطع بالتستر وراء هذا الشک للتنصل من المسؤولية.

وفي مواجهة عدم اليقين الذي يشوب رابطة السببية بين الاخلال بالالتزام بالتبصير وبين الضرر النهائي الذي أحاق بالمريض، استحدث القضاء
الفرنسي ستارا(palliatif)([3]) يداري الشک القائم عن طريق التمسک بالسببية القانونية([4]) متى ثبت وجود قرائن قوية ترجح علاقة السببية بين الخطأ والضرر، مبتدعا بذلک صورة جديدة للضرر تتمثل في ضياع فرصة المريض في الشفاء أو البقاء على قيد الحياة.

وسنحاول من خلال هذا البحث الإجابة على التساؤلات التالية: إذا کان قرار المريض في قبول العلاج من عدمه رهن بما يقدمه طبيبه من معلومات، فهل يشکل مجرد الاخلال بهذا الالتزام في غياب أي خطأ فني في مباشرة الإجراء الطبي، مصدرا مباشرا للضرر تقوم به رابطة السببية مما يستوجب تعويض المريض الذي يتواجد في وضعية صحية تدلي تارة عن الشک وتدلي في فروض أخرى عن اليقين حول القرار الذي کان ليتخذه لو تم اعلامه بشکل سليم, وهل يتم تقدير التعويض بالنظر للضرر النهائي الذي أصابه فعلا, أم بمراعاة احتمال تصرفه بشکل يجنبه الضرر لو أنه حصل على المعرفة الشاملة؟

وحرصا على أن تنتهج دراستي هذه سبيلا منطقيا انتهاء لبلوغ الغاية منها, فقد اتبعت منهجا ذا ثلاثة أبعاد, يتراوح بين المنهج الوصفي التحليلي وقوامه جمع الحقائق والمعلومات والعمل على استخلاص أهم الأحکام المرتبطة بالموضوع من أجل الوقوف على مدى إتساقها أو خروجها عن القواعد العامة للمسئولية من جهة ومع النظرة الحديثة للتعويض من جهة أخرى, والمنهج التأصيلي في رد النقاط التفصيلية إلى أصولها النظرية، متمثلة في النظرية العامة في المسئولية المدنية ثم الأحکام الخاصة للمسئولية الطبية، في إطار الدراسة المقارنة لبعض القوانين الحديثة في المواطن التي تتيح أوجها للمقارنة.

وبناء على ما سبق سيتم تقسيم الدراسة إلى مبحثين:

المبحث الأول: إشکالية إحترام إرادة المريض في ظل فوات الفرصة.

المبحث الثاني: أحکام تعويض فوات الفرصة الناشئة عن الإخلال بالتبصير.



([1]) نصت المادة 7 من المرسوم التنفيذي 92-276 المتضمن مدونة أخلاقيات مهنة الطب بالجزائر على:" تتمثل رسالة الطبيب وجراح الأسنان في الدفاع عن صحة الانسان ضمن احترام حياة الفرد وکرامته الانسانية، دون تمييز من حيث الجنس والسن والعرق والدين والجنسية والوضع الاجتماعي والعقيدة السياسية أو أي سبب آخر في السلم والحرب ". کما نصت المادة 6 فقرة 2 من ذات المرسوم على: "يمارسان مهامهما ضمن احترام حياة الفرد وشخصه البشري".

([2]) لکي يتمکن المضرور من إثارة المسئولية المدنية للطبيب فعليه إثبات أن ما وقع عليه من ضرر يجد سببه في نشاط المسئول عن العلاج, فطبقا لمحکمة النقض الفرنسية لا يمکن أن تثار المسئولية ما لم يکن الفعل المولد (le fait générateur) هو بصفة مؤکدة مصدرا مباشرا (l'origine directe) للضرر, فرابطة السببية هي التي توضح انبثاق النتيجة عن السبب (le processus)على الوجه الذي يسمح بإسناد الضرر إلى الفعل الضار، فعندما لا يکون هذا الرابط مؤکدا فلا مجال لجبر الضرر المدعى به في الأصل.انظر قرار محکمة النقض الفرنسية.

Cass-civ, 1er chambre civil, 09/11/1999, disponible en ligne sur: www.courdecassation.fr.

([3]) Geneviève Viney، Patrice Jourdain, Traité de droit civil، conditions de la responsabilité،L.G.D.J،Paris،2éme éd،1998,p.197.

([4]) على النقيض من منطق الخبير الطبي باستخلاص السببية العلمية المتمثلة في اسناد الضرر للخطأ الطبي بصفة مجردة باستبعاد تدخل عوامل أخرى کالاستعداد المرضي للمضرور وغيره من العوامل المشابهة، فإن منطق القاضي في استخلاص السببية القانونية يستغرق السببية العلمية مع الأخذ بعين الاعتبار کافة الأدلة من الإحصاءات والقرائن والاحتمال المرجح، ويطبق بالتالي إحدى نظريات السببية، فإن عجزت تلک الأخيرة عن إثبات علاقة السببية بين الخطأ والضرر النهائي کالوفاة مثلا, فإنه يمکن أن تبرر وجود تلک الرابطة بين ذات الخطأ وضرر أوسط کتقليص مدة هذه الحياة، أنظر في تفصيل ذلک:

P.Vayre،D.Planquelle et H. Fabre،Le lien de causalité en matière de responsabilité médicale،Médecine et Droit,2005,p.78et 79.