الحماية القانونية لحقوق المسنين دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس القانون المدني کلية الحقوق – جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

التعريف بموضوع الدراسة وأهميته

يحظى موضوع رعاية المسنين وحماية حقوقهم، بأهمية خاصة نظراً لما تحتله هذه الفئة من مکانة في جميع المجتمعات الإنسانية، ويرجع الاهتمام بهم کما يرى البعض" إلى کونها ذات تأثير واضح في الترکيب السکاني للمجتمعات ولکون المسنين من الفئات الضعيفة في المجتمعات ولهم قضايا ومشکلات صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تمثل تحديات لابد من التکاتف والعمل على مواجهتها ومعالجتها، لما لها من آثار مباشرة ومتعددة على الأسرة والمجتمع معا"([1]).

حيث يشهد العالم اليوم تغييرا جذريا في الترکيبة السکانية في العقود الأخيرة "ففي الفترة ما بين عام 1950 وعام 2010، ارتفع العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم من 46 عاما الى 68 عاما، ويتوقع ان يزيد الى.... ليبلغ 81 عاما بحلول نهاية هذا القرن. ويجدر بالملاحظة ان عدد النساء يفوق عدد الرجال في الوقت الحالي بما يقدر بنحو 66 مليون نسمة فيما بين السکان الذين تبلغ اعمارهم 60 سنة أو أکثر. ومن مجموع من بلغوا 80 سنة أو أکثر، يصل عدد النساء الى ضعف عدد الرجال تقريبا ومن بين المعمرين الذين بلغوا من العمر مائة سنة يصل عدد النساء الى ما بين أربعة أو خمسة أضعاف عدد الرجال. وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، سيزيد عدد الأشخاص الذين تجاوزوا الستين عن عدد الأطفال في العالم في عام 2050، والآن ما يربو على 700 مليون نسمة تزيد أعمارهم على عن 60 عاما، وبحلول 2050، سيکون هناک بليون نسمة، أي ما يزيد عن 20 في المائة من مجموع سکان العالم، تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أکثر، وستکون زيادة عدد کبار السن أکثر وأسرع في بلدان العالم النامي، وستصبح أسيا المنطقة التي تضم اکبر عدد من کبار السن، وتواجه أفريقيا أکبر زيادة متناسبة في هذا الصدد"([2]).

وفى الآونة الأخيرة أصبحت قضية الشيخوخة تمثل مصدر قلق للعديد من الدول، حيث أصبحت أعداد المسنين کل يوم في ازدياد مستمر، ومن المتوقع أن يصل عدد الأشخاص بأعمار 60 عاماً فما فوق إلى أکثر من ثلاثة أضعاف ما هو عليه الآن بحلول عام 2100([3])، ويواجه غالبيتهم بسبب تقدم أعمارهم العديد من المشکلات الصحية والنفسية والمالية والاجتماعية، هذا علاوة على شعورهم بالافتقار الى الأمان والمکانة الاجتماعية، کما يشعر العديد منهم بالتهميش الاجتماعي والعزلة وفقدان التمتع بالحياة([4]).

کما يلاحظ وفقا للتقارير الأخيرة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية W.H.O ([5])."إن سکان العالم يشيخون بسرعة؛ فالتقديرات تشير إلى أن نسبة کبار السن في العالم ستتضاعف من حوالي 11% إلى 22% ما بين عامي 2000 و2050. وهذا يعني - بالأرقام المطلقة - زيادة متوقعة من 605 ملايين إلى ملياري شخص فوق سن الـ 60. وإن کبار السن يواجهون تحديات صحية – بدنية ونفسية – خاصة، ينبغي الاعتراف بها.

أکثر من 20% من البالغين بأعمار 60 سنة فما فوق يعانون من اضطراب نفسي أو عصبي (ما عدا اضطرابات الصداع) و6.6% من جميع حالات العجز (سنوات العمر المصححة باحتساب العجز) بين من تجاوزوا الـ 60 تعزى إلى اضطرابات عصبية ونفسية. وأکثر الاضطرابات العصبية النفسية شيوعاً في هذه الفئة العمرية هي الخرف والاکتئاب. واضطرابات القلق تصيب 3.8% من السکان المسنين، ومشاکل تعاطي المخدرات تصيب ما يقرب من 1%، وحوالي ربع حالات الوفاة الناجمة عن إيذاء النفس تکون بين من هم بأعمار 60 سنة فما فوق. وإن مشاکل تعاطي المواد بين کبار السن غالباً ما يُتَغاضى عنها أو تشخص بشکل خاطئ"([6]).

وتکمن أهمية موضوع الدراسة أن فئة کبار السن من الفئات التي أصبحت محل رعاية واهتمام من الجميع. ففي الوقت الراهن توالت الکتابات وانعقدت المؤتمرات وأنشئت المراکز والمؤسسات العربية والعالمية مظهرة الاهتمام بالمسنين ودراسة أحوالهم، ولکن کان ذلک من الجوانب الاجتماعية والنفسية والطبية والاقتصادية، ولم يتم تناولها من الناحية القانونية لذا حرصت من خلال تلک الدراسة أن أقدم ولو نواة تکون بداية للاهتمام بهم في مجال البحث القانوني والعمل على اصدار تشريعات خاصة بهم تعمل على ضمان حمايتهم وتعزيز کرامتهم وفى نفس الوقت تضمن لهم شيخوخة آمنة قادرة على مواجهة کافة الصعوبات والتحديات التي تواجههم([7]).

کما بات اهتمام المجتمعات بحقوق المسنين والعمل على حماياتهم أحد المعايير الأساسية لقياس المستوى الحضاري للدول وذلک من خلال تمتع هذه الفئة بکافة حقوق الإنسان([8])، ويرجع سبب الاهتمام بهم الى الاعتبارات الدينية والانسانية والاجتماعية والأخلاقية، فهم ثروة بشرية لا غنى عنها. وفى ذلک يقول آناند غروفر" أن تعزيز وحماية حقوق المسنين الانسانية آمران ينبغي أن يحظيا باهتمام کل الناس لأن الشيخوخة مرحلة ستطالهم جميعا"([9]).

کما أن مرحلة الشيخوخة لم تحظ على المستوى التشريعي بنفس القدر من الاهتمام الذى حظيت به مرحلة الطفولة وبصفة خاصة في تشريعاتنا، حيث ظلت غالبية التشريعات في کثير من دول العالم حريصة على الاهتمام بوضع تشريعات ونظم قانونية لحماية الطفولة، في حين ظلت فئة کبار السن لا تجد الاهتمام الکافي على مستوى التشريعات الوطنية ولا حتى على مستوى الدراسات والبحوث القانونية، مع ادراک الجميع بأهمية هذه الفئة المجتمعية وتزايد أعدادها وتصاعدها بشکل مستمر لا سيما في السنوات الأخيرة. على الرغم من أن أهم مرحلتين يمر بهما الانسان خلال حياته هما مرحلتي الطفولة والشيخوخة معا، فلکل مرحلة مشکلاتها وتغيراتها الخاصة والتي يکون من شأنها التأثير بدرجة کبيرة على حياة الفرد. لذا يجب أن يکون الاهتمام بهما على نفس القدر والمستوى والأهمية، نظرا لما تلعبه کل منهما من دور وتأثير على حياة الفرد والمجتمع.

ومن الملاحظ أن معظم التشريعات التي أهتمت بحقوق المسنين والعمل على حمايتهم، حرصت کل الحرص على التأکيد بأن ينعم کبار السن بحقهم في العيش داخل وسطهم العائلي وبيئتهم الطبيعية لأطول فترة ممکنة محاطين بأفراد أسرتهم، في منازلهم  التي تربوا وعاشوا فيها  وذلک للتمتع بدفئها وطمأنينتها، وزيادة تعزيز الترابط الاسرى بين أفرادها والعمل على ترسيخ القيم الاخلاقية الأسرية ([10]).

وعن الاهتمام بالمسنين ورعايتهم فانطلاقا من حکم الدين واحترام حقوق الانسان يجب أن يحظوا داخل المجتمع بمکانة ومنزلة اجتماعية رفيعة، فالاهتمام بهم والعطف عليهم عمل له بعد إنساني واجتماعي وفى ذات الوقت مسئولية فردية تقع على عاتق أسرة کل مسن أولا قبل أن تکون جماعية تقع على الدولة والمجتمع المدني ثانيا. وفى نفس الوقت يتعين أن نتذکر جميعا وبصفة دائمة ولا ننسى
أن الشيخوخة مرحلة عمرية من مراحل عمر الانسان، قد يصل اليها البعض
وقد لا يصل البعض الآخر، وهنا ينطبق عليه قوله تعالى ﴿وَتِلْکَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ﴾([11]).



([1]) راجع أعمال ندوة" المسنين بين الآمال والطموحات"، منشورة على الموقع الإلکتروني التالي:

http://www.raya.com/mob/getpage/f6451603.

([2]) راجع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الدورة السادسة والستون، البند 27 ج، ص 3 – 4.

([3]) راجع موقع منظمة الصحة العالمية التالي....................................................:

http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs381/ar/

([4]) محمود صادق سليمان، المجتمع والاساءة لکبار السن، دراسة في علم اجتماع المشکلات الاجتماعية، دولة الامارات العربية المتحدة – أبو ظبى، الطبعة الأولى 2006، مطبوعات مرکز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ص 48 وما بعدها.

([5]) World Health Organization.

([7]) فالحق في الحياة الآمنة من الحقوق الدستورية المقررة للإنسان، وقد أکد على ذلک الدستور المصري الصادر سنة 2014 حيث نصت المادة/59 منه على أن" الحياة الآمنة حق لکل انسان".

([8])عبد الله العلي النعيم،رعاية المسنين: بين مسئوليات المجتمع ودور الأسرة والمؤسسات الأهلية والرسمية، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة (المدينة والمسنون.. دور المدن والبلديات في رعاية المسنين)، القاهرة 26 ـ 28/11/1421هـ الموافق 20 ـ 22 فبراير 2001م، المعهد العربي لإنماء المدن الرياض (1421هـ / 2001م.

([9]) آناند غروفر، اعمال حق المسنين في الصحة، موجز دراسة مقدمة الى مجلس حقوق الانسان التابع للجمعية العامة بالأمم المتحدة، في دورته الثامنة عشر، بتاريخ 4 يوليو 2011، النسخة العربية، وفقا لقرار مجلس حقوق الانسان 15/22، في شأن مسألة اعمال حق المسنين في الصحة.

(1) يوسف الزمان، ورقة عمل بعنوان "مدى الحاجة إلى إصدار قانون خاص لرعاية وحماية المسنين"، مقدمة الى ندوة الحقوق الاجتماعية والقانونية لکبار السن التي نظمتها المؤسسة القطرية لرعاية المسنين إحسان بالتعاون مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بفندق الملينيوم، بتاريخ 30/9/2014.

([11]) سورة آل عمران، الآية 140.