نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
أستاذ فلسفة القانون وتاريخه المساعد کلية الحقوق - جامعة المنصورة
نقاط رئيسية
تکملة المقال داخل الملف المرفق
الموضوعات الرئيسية
مقدمة عامة
موضوع البحث:
من بين الظروف العامة المشددة للعقوبة، التي أقرتها کل التشريعات العقابية القديمة منها والحديثة، کان ظرف العود récidive La([1])، نظرًا لما يشکله الأخير من خطر وتهديدٍ لأمن المجتمع البشري وسلامته([2])، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن العود يُعد وحده الظرف المشدد الذي يشمل کل الجرائم، أما غيره من الظروف المشددة للعقوبة، فتتسم بکونها ظروفًا خاصة بنوعية معينة لبعض الجرائم أو متعلقة بفئة معينة من الأشخاص([3]).
يُضاف إلى هذا، أن العود الإجرامي يُشير بجلاء إلى کون الجاني العائد شخصًا خطرًا على المجتمع، ومفسدًا في الآن نفسه، بحيث لا يتردد عن مضاعفة عدوانه وجرمه رغم سبق معاقبته جنائيًا أو تطبيق العدالة الجنائية بشأن أفعاله الإجرامية([4])، حيث يضع نفسه تحت خدمة تصرفاته المعيبة ونشاطه الإجرامي ضد المجتمع وأفراده([5]).
وعلى هدي هذا، فالعود يکشف بدوره الجانب السيئ في سلوک الشخص، فبينما يمکن للأخير تکرار التصرفات الحسنة، نجده يُکرر على ذات النحو التصرفات السيئة. والحالتان المذکورتان تختلفان عن بعضهما؛ ذلک أن العود إلى ارتکاب الجُرم يبرهن بشکل قاطع على جانٍ شديد الخطورة، لاسيما حال تکرار ارتکابه لجرائم جديدة، ومن ثم فهو يخضع لعقوبة أکثر قسوة من العقوبة التي صدر بها الحکم الأول([6]).
وخلافًا للقانون الروماني الذي کان يخلط بين العود وتعدد الجرائم، إذ کان يعتبرهما ظرفًا مشددًا للعقوبة([7])، نجد أن الاثنين متمايزان في کنف التشريعات العقابية الحديثة، من منظور أن الجاني في إطار العود يرتکب جرائمه الجديدة بعد سبق الحکم عليه نهائيًا في جريمة سابقة. أما في التعدد، فالجاني يقترف جرائمه الجديدة قبل الحکم عليه في أي جريمة منها، أي قبل أن يتلقى بالتالي إنذار القضاء وتحذيره له بعدم العودة لسلوکه الآثم، لذا، فهو يُعد من ناحية أقل إثمًا وخطورة من الجاني العائد، ومن ناحية أخرى يُعد أکثر إثمًا من الجاني مرتکب جريمة واحدة فقط. والقاعدة المطبقة بشأن حالة تعدد الجرائم، هي تعدد العقوبات بقدر عدد الجرائم المرتکبة، وتلک قاعدة أصلية أخذ بها قانون العقوبات المصري، وإن کان الأخير قد وضع بعض القيود التي تحد من نطاق تعدد العقوبات وآثاره([8]).
وفي رحاب تلک التشريعات العقابية الحديثة، ومنها قانون العقوبات المصري، نجد أن تشديد العقوبة بناء على العود أمر جوازي للقاضي، وثمة صور شتى لتشديد العقوبة بسبب العود، منها رفع الحد الأقصى للعقوبة الأصلية وفقًا لما جاء بنص المادة (50) من قانون العقوبات المصري، وقد يأخذ التشديد صورة إضافة عقوبة من نوع آخر على العقوبة الأصلية، کما ورد بنص المادتين (320، 336) من قانون العقوبات المصري، وفي صورة ثالثة يجعل القانون من تکرار العود في جرائم معينة سببًا لتغير العقوبة، مما يترتب عليه تغيير في نوع الجريمة([9]).
ولعل تشديد العقوبة في حالتنا هذه يُعد من بين أهم الإجراءات الرادعة، التي يتم بها مجابهة ظاهرة الإجرام بشکل عام، تلک التي تفشت في عالمنا المعاصر، نتيجة لأسباب وعوامل شتى، منها على سبيل المثال لا الحصر أسباب اجتماعية، واقتصادية، وبيئية، ونفسية([10])، ينبغي الوقوف عليها جميعًا بشکل حقيقي، ومحاولة القضاء عليها، بغية الحد من الظاهرة الإجرامية المهددة لأمن وسلامة المقومات الأساسية للمجتمعات الإنسانية([11]).
- أهمية البحث:
تتجلى أهمية دراستنا لموضوع العود الإجرامي من منظور ما يشکله من خطورة بالغة على أمن المجتمع ومقوماته، وهو ما يتعين معه اتباع أدوات من شأنها تحقيق الردع أو الزجر العام، فضلا عن اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة من جانب المؤسسات العقابية للاضطلاع بدورها المهم في هذا الصعيد، ألا وهو إصلاح الجناة وتقويم سلوکهم حتى لا يعاودوا الکرة تلو الأخرى إلى ارتکاب الأفعال الإجرامية التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات البشرية. کما تُمکننا تلک الدراسة من التعرف على ماهية العود في القانون العقابي الروماني، وأنواعه، والشروط المتطلبة لتحققه، فضلا عن الآثار المترتبة عليه في کنف هذا القانون.
- إشکالية البحث:
يثير البحث تساؤلات عدة، سنحاول الإجابة عليها، لعل من أهمها؛ ما هو المقصود بالعود في القانون الروماني؟ وما هي أنواعه؟ وهل تشديد العقوبة في حالة العود أمر يتفق وما يقتضيه إعمال مبدأ الشرعية الجنائية؟ وهل ثمة شروط يلزم توافرها لتحقق مثل هذا العود؟ وما هي الآثار التي يرتبها القانون الروماني في حالة توافره؟
- منهج البحث:
يعتمد البحث على منهج تحليلي تأصيلي، حيث قام الباحث بعرض أفکار البحث، وبيان ما يحکمها من نصوص قانونية وردت بدورها في الموسوعة والکود، وکذا تقنين جوستنيان، مع طرحٍ لتعليقات الشُرَّاح واجتهاداتهم بشأن تلک النصوص، وتحليل ذلک کله مع إبداء الرأي فيه. کما قام الباحث في کثير من مَواطن تلک الدراسة بتأصيل ما ورد بها من أفکار وردها إلى قواعدها الأصولية.
- خطة البحث:
على هدى ما ذکرناه، آثرنا تقسيم دراستنا لأحکام العود في القانون الروماني إلى ثلاثة مباحث متعاقبة، نتکلم في المبحث الأول عن ماهية العود في القانون الروماني، بينما نستبين في المبحث الثاني أنواع العود في القانون الروماني، أما المبحث الثالث فنکرسه لتبيان شروط العود وآثاره في القانون الروماني، وفيما يلي بيان ذلک.
([1]) VAN HOOREBEKE (E.), De la récidive dans ses rapports avec la réforme pénitentiaire, Études de législation comparée, Gand, 1846, P.67; CHARLES (R.), Histoire du droit pénal, 4è. édition, presses universitaires de France, 1955, P.97; ROSEN (J.), De la récidive dans le droit pénal Roumain, Thèse Paris, 1907, P.103.
([2]) BOSCREDON (L.), De la récidive en droit Romain et en droit Français, Thèse Toulouse, 1880, P.6.
([3]) OLLIVIER (L.-F.-M.), Droit Romain et droit Français, De la Récidive, Thèse Rennes, 1877, P.5.
- د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي، الطبعة الخامسة، دار النهضة العربية، القاهرة،1982، رقم 942، ورقم 925، ص805 وما بعدها.
([6]) VAN HOOREBEKE(E.), De la récidive dans ses rapports avec la réforme pénitentiaire, Op. Cit., P.66; OLLIVIER (L.-F.-M.), Op. Cit., P. 6; BOSCREDON (L.), De la récidive en droit Romain et en droit Français, Op. Cit., P.8 et s.
- وراجع أيضًا: د. مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات، القسم العام، دار الفکر العربي، القاهرة، 1979م، ص532، حيث يقول سيادته في هذا الشأن: " ونظرًا لأن سبب التشديد في العود يرجع إلى شخص الجاني، فإنه يعتبر سببًا عامًا للتشديد، وليس متعلقًا بجريمة معينة. فخطورة الجاني العائد من الناحية الاجتماعية هي مناط التشديد في العود بغض النظر عن نوع الجريمة المرتکبة"؛ د.هدى حامد قشقوش، شرح قانون العقوبات القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010م، رقم 624، ص472.
([7]) DUPONT (F.), Les degrés de la volonté criminelle et l'état de récidive, Bruxelles, 1906, P.89.
([8]) د. رءوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي، الطبعة الرابعة، دار الفکر العربي، القاهرة، 1979م، ص737:734؛ د. حسن محمد ربيع، شرح قانون العقوبات المصري، القسم العام، الکتاب الأول، المبادئ العامة للجريمة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996م، ص634.
([9]) د. عبد الرءوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات، الطبعة الأولى، بدون دار نشر، 2007م، ص1148.
([10]) لمزيد من التفصيلات حول التفسير العلمي للسلوک الإجرامي، وکذا العوامل المؤدية لظاهرة العود، راجع في هذا الشأن: د. أحمد عبد العزيز الألفي، العود إلى الجريمة والاعتياد على الإجرام دراسة مقارنة، المطبعة العالمية، القاهرة 1965م، ص91:59؛ د. فاروق سيد عبد السلام، العود للجريمة من منظور نفسي اجتماعي، المرکز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1409ﻫ- 1989م ، ص50:25.