شرط المصلحة فى دعوى الإلغاء بين توسع القضاء وتضييق المشرع

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم القانون العام کلية الحقوق – جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمـــة

السماح لأي شخص کان بالطعن في أي شيء کان«En permettant á n'importe qui d'attaquer n'importe quoi » أمام القضاء يعد مخالفا لمبدأ من المبادئ العامة من أنه لا دعوى بغير مصلحة « Pas d' intérêt pas de l'action»، وأن المصلحة مناط الدعوى « L' intérêt est la mesure de l'action »، ولکن المشرع بعد أن قنن شرط المصلحة في الدعوى، ألقى بعبء تعريفها وتحديد ضوابطها على عاتق الفقه والقضاء.

ويتعين على القضاء الإداري في دعوى الإلغاء أن يتأکد من توافر شرط المصلحة لدى رافع الدعوى، وألا يکون هدف المدعي هو التأکيد على احترام القانون فقط، وإنما يتعين أن يکون هدفه التأکيد على احترام القانون ولکن من خلال تحقيق مصلحة شخصية له «L'auteur du recours poursuit non pas seulement le respect de la légalité mais encore á travers lui un avantage personnel »([1]).

وفي الدول التي تبنت القضاء المزدوج، کان لذلک أثره في اختلاف مفهوم شرط المصلحة أمام القضاء العادي عنه أمام القضاء الإداري، ففي دعاوى القانون الخاص يشترط أن تستند الدعوى إلى حق للمدعي تم الاعتداء عليه أو مهدد بالاعتداء عليه، أما في دعوى الإلغاء فيکفي فيها مجرد المساس بمرکز قانوني للمدعي. وفي القانون الخاص تم النص صراحةً في معظم الدول على ضرورة توافر شرط المصلحة في الدعوى، بينما تباينت مواقف الدول التي تبنت نظام القضاء المزدوج من النص صراحةً على شرط المصلحة في الدعاوى الإدارية، ولکن عدم النص عليها لا يعني عدم اشتراط المصلحة، فهو مبدأ عام يلتزم به القاضي ولو لم يتم النص عليه. ولا يوجد ارتباط حتمي بين الحق في الدعوى والمصلحة في الدعوى، فقد يثبت الحق للمدعي ورغم ذلک يحکم القضاء بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة.

والملاحظ على القضاء الإداري الفرنسي تأکيده على شرط المصلحة لقبوله دعاوى الإلغاء، ولکن مفهومها مر بتطورات تاريخية بدايةً من اشتراط المساس بوجود حق تم الاعتداء عليه إلى الاکتفاء بمجرد المساس بمرکز قانوني للمدعي، وهو ما أکده الفقه. وعلى نفس النهج سار مجلس الدولة المصري وقضاء الدائرة الإدارية بالمحکمة الکلية في الکويت. مع الاختلاف بشأن وقت توافر المصلحة في الدعوى وأثر زوال المصلحة أثناء سير الدعوى وقبل الفصل فيها على قبول الدعوى.

ولشرط المصلحة مکانة متميزة بين شروط قبول الدعوى في القانون الخاص، رغم من أن شروط قبول الدعوى کانت محل خلاف فقهي، ورغم تشعب آراء الفقه في تحديد شروط قبول الدعوى، حيث نادى البعض بتطلب شروط أخرى بالإضافة لشرط المصلحة کشرط الصفة مثلاً، مع التأکيد على الاختلاف بين الصفة في الدعوى والصفة في التقاضي. ولا تقل مکانة المصلحة في دعوى الإلغاء عن مکانتها في دعاوى القانون الخاص، فقد ذهب الفقه وأحکام القضاء الإداري إلى القول بأن شرط المصلحة هو الشرط الوحيد لقبول الدعوى، وبأن الصفة تندمج في شرط المصلحة، في حين يرى البعض غير ذلک.

والمتتبع للقضاء العادي في مصر يرى أنه قد توسع في تعريفه لشرط المصلحة في الدعوى، وذلک بقبوله لدعاوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية، وفيها يتوافر شرط المصلحة لکل رافع دعوى يهدف من خلالها إلى الحفاظ والدفاع عن حقوق الله تعالي أو الحقوق التي کان حق الله تعالي فيها هو الغالب، وتم قبول دعاوى عديدة في ذلک الشأن کانت بمثابة قضايا رأي عام داخل مصر وخارجها. وکان لذلک التوسع مردوده على المستوى التشريعي فتم تعديل قانون المرافعات بالقانون رقم 81 لسنة 1996، بتضييق مفهوم شرط المصلحة في الدعوى، وبنص صريح أصبحت شروط قبول الدعوى تتعلق بالنظام العام، والنص أيضا على أن تطبق تلک التعديلات بأثر رجعي، وصدر القانون رقم 3 لسنة 1996 لتنظيم دعاوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية وقصر رفع الدعاوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة على النيابة العامة وحدها.

وقد تبنى مجلس الدولة الفرنسي اتجاها موسعا لشرط المصلحة في دعوى الإلغاء، وخاصة فيما يتعلق بالعقود الإدارية، فقد تحول من نظرية الدمج إلى نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري، إلى أن وصل لحد السماح للغير بالطعن على العقد الإداري ذاته أمام قاضي العقد، مما يعد إرساء لمبدأ جديد.

 أما في مصر وخاصة فيما يتعلق بتوسع القضاء العادي في مفهوم شرط المصلحة وما قابله من تضييق تشريعي لمفهوم المصلحة، تم على نحو مشابه في نطاق القضاء الإداري في مصر، فقد اتجهت بعض أحکام مجلس الدولة المصري إلى حدٍ جعل دعوى الإلغاء من قبيل دعاوى الحسبة، ولم يؤثر على تلک السياسية صدور القانون رقم 81 لسنة 1996 بتعديل قانون المرافعات، بل قد سار في سياسته لأقصى مدى بشکل لافت للانتباه، وفي غمار ذلک تحولت دعوى الإلغاء أمام القضاء المصري لدعوى تقام على سبيل الحسبة، کالدعاوى التي رفعت من الغير للمطالبة بإبطال العديد من العقود التي أبرمتها الحکومة المصرية، وهو ما استجاب له القضاء الإداري المصري وحکم فعلاً بإبطال بعض تلک العقود.

وکان رد الفعل التشريعي متوقعا، فمفهوم المصلحة الذي تم توسيع مفهومه قضائيا، تم مقابلته بتضييق تشريعي أثار ردود فعل متباينة من الفقه ما بين مؤيد ومعارض، وتمثل رد الفعل الأول في أن دستور مصر لسنة 2014 نص في المادة رقم «34» منه على أن للملکية العامة حرمة ولا يجوز المساس بها وحمايتها واجب وفقاً للقانون، ومن ثم فلم تعد حماية الأموال العامة واجب على المواطنين کما کانت تنص المادة رقم «33» من دستور 1971، ولم تعد واجب على المجتمع کما کانت تنص المادة رقم «22» من دستور سنة 2012.

وتمثل رد الفعل الثاني والذي استند إلى نص المادة رقم «34» من دستور مصر لسنة 2014 في صدور القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 بإلغاء دعاوى الحسبة في مجال حماية المال العام، فنص على أنه مع عدم الإخلال بحق التقاضي لأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد، يکون الطعن في عقود الدولة، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي أبرمت هذه العقود استنادا لها، والطعن في قرارات تخصيص العقارات من أطراف التعاقد دون غيرهم.

وسوف نتناول موضوع البحث مع المقارنة بين الحلول المطبقة في القانون المصري والقانون الفرنسي وبعض الدول العربية، مع عرض اتجاهات الفقه والقضاء وما لحق فکرة المصلحة في الدعوى من تطورات، وذلک في ستة فصول على الوجه الآتي:

فصل تمهيدي: مفهوم شرط المصلحة في الدعوى وتقنين المشرع له.

الفصل الأول:     موقف القضاء الإداري من شرط المصلحة في دعوى الإلغاء ووقت توافرها.

الفصل الثاني: مکانة شرط المصلحة من شروط قبول الدعوى.

الفصل الثالث: شرط المصلحة ما بين توسع القضاء العادي وتضييق المشرع.

الفصل الرابع:   توسع القضاء الإداري في تطبيق شرط المصلحة.

الفصل الخامس: إلغاء الحسبة في الدعاوى الإدارية بمنع الطعن على عقود الدولة.

 



([1]) Bernard Pacteau, contentieux administratif, 5e édition, Presses Universitaires de France, 1999, pp. 141-142.