الآثار الاقتصادية المترتبة على الممارسات الاحتکارية الضارة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الاقتصاد والمالية العامة والتشريع الضريبى - کلية الحقوق جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


أهمية البحث

إن دراسة الآثار الاقتصادية المترتبة علي الممارسات الاحتکارية الضارة إنما لها أهمية کبيرة وذلک نظراً لتنامي ظاهرة العولمة وما صاحبها من ظهور موجة کبيرة من الترکزات الاقتصادية أو انشاء اتحادات احتکارية بين المشروعات الکبيرة، وذلک في محاولة منها للسيطرة علي الاسواق الدولية والوطنية وغالباً ما يتسنى لها ذلک، وتصبح هذه المشروعات والشرکات اداخلة في مثل هذه الاتحادات متمتعة بمرکز مسيطر تستطيع من خلاله اعاقة أو تقييد أو حتى منع المنافسة في الاسواق محل الاحتکار. کما ترجع أهمية هذا البحث في تطرفه بصفه أساسية للإلمام بالبعد الاقتصادي والآثار الاقتصادية التي تفرزها الممارسات الاحتکارية سواء علي مستوى النشاط الإنتاجي أو علي مستوى الطبقة العمالية وأثر ذلک علي مستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

منهج البحث

اعتمدت في هذا البحث علي تطبيق المنهج الوصفي والتحليلي والقائم علي رصد ظاهرة الممارسات الاحتکارية، وتحليل مختلف الآثار الاقتصادية المترتبة عليها مع بيان نتائجها، سواء علي مستوى العملية الإنتاجية في حد ذاتها أو علي مستوى العمالة وانعکاس ذلک علي مستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطه في ظل سيطرة وهيمنة الکيانات الاحتکارية العملاقة.

الهدف من البحث

إن الهدف من هذا البحث، ليس التعرض لماهية الممارسات الاحتکارية الضارة أو إستعراض أنواعها أو کيفية تحققها علي أرض الواقع، وإن کان هذا الأمر لا مفر من التعرض له في هذا البحث، بمقدار ما يخدم هذا الموضوع. وإنما الهدف الأساسي هو التعرض للمارسات الاحتکارية الضارة من خلال إنعاکسها علي المجتمع. وهل هذه الممارسات الاحتکارية سوف تکون سبب ساعدة ورفاهية أفراد المجتمع، وسببا للرقي واقرار العدالة في توزيع الدخل القومي([1]) أم أنها سوف تکون سبباً في شقاء وبؤس الغالية العظمة من أفراد المجتمع بسبب استئثار القليل من أفراده بمعظم الدخل القومي، وزيادة عدد العاطلين عن العمل، ومن ثم زايدة الألوف المؤلفة من الجائعين المنتظرين علي أملالحصول علي لقمة عيش. وهل ستکون سبباً لزياده عدد المشردين في العراء. ولذا فإن الهدف من هذا البحث إجمالاً هو الترکيز علي مختلف الآثار الاقتصادية للممارسات الاحتکارية الضارة من خلال إلقاء الضوء علي أثرها علي کل من العملية الإنتاجية، وأثرها علي العمالة، فضلاً عن دراسة أثر هذه الممارسات علي مستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

 

 

تمهيد:

يستند انتشار الاحتکار إلى ظاهرة لصيقة بالاقتصاد الرأسمالي، ألا وهي ظاهرة الترکز. فالترکز في کثير من الأحوال يکون حتمية تمليها مقتضيات الإنتاج في العصر الحديث. ولذلک يمکن القول بالقياس أن الاحتکار هو الآخر يکاد يکون حتمية من حتميات التطور الاقتصادي. وحقيقة الواقع تحتم علينا القول والاعتراف بأن الاحتکار قد لعب دوراً إيجابياً في مرحلة من مراحل تطور النظام الاقتصادي الرأسمالي، دوراً تقدمياً، نقل به الاقتصاد الرأسمالي من اقتصاد وحدات صغيرة ضعيفة مرتفعة التکاليف قليلة الإنتاجية، ذات فن إنتاجي بسيط إلى اقتصاد الوحدات القوية الضخمة التي تستخدم الفن الإنتاجي الحديث، والذي يقلل من تکاليف الإنتاج ويزيد من إنتاجيته ([2]).

إلا أنه قد جرت عادة الاقتصاديين منذ زمن ليس ببعيد علي عکس ما تقدم، واستقرت في المراجع المدرسية المقارنة بين سوق الاحتکار وسوق المنافسة الکاملة، فکان الدليل علي أضرار الاحتکار سهلاً ميسورا، ما دام المحتکر يميل في الغالب إلى رفع الأسعار وخفض الکميات المنتجة. إذا ما قورن وضعه بالوضع الذي يسود في ظل سوق المنافسة الکاملة. ولکن هذا لاستدلال يقوم علي شرط شهير وهو شرط بقاء الأشياء الأخرى علي حالها. ولا سيما الفن الإنتاجي. ولکن هذا الشرط يناقض حقيقة التطور الزمني. فالتحول من المشروعات التنافسية الصغيرة والمتوسطة إلى المشروعات والمنشآت الاحتکارية الکبيرة، قد صاحبه تحول کبير في الأوضاع الإنتاجية، وتطور کبير أساليب الإنتاج وتنظيم مختلف الوحدات الإنتاجية.

وذلک ينبغي عند الحکم علي الاحتکار إلا نتأثر بوضوح المقارنات التقليدية المبنية علي مجموعة فروض قد تصرف نظرنا إذا اقتصرنا عليها عن حرکة تطور الحياة الاقتصادية، ولذلک نعتقد قبل البدء في محاکمة الاحتکار وسرد ما يترتب عليه من مضار، أن نبدأ أولاً بذکر الدور الايجابي الذي لعبه الاحتکار في بداية النظام الرأسمالي، ونقله لهذا الاقتصاد من وحدات صغيرة ضعيفة مرتفعة التکاليف قليلة الإنتاجية ذات فن إنتاجي بسيط إلى اقتصاد رأسمالي ذات هياکل إنتاجية ضخمة تستخدم الآلات الإنتاجية الحديثة، فتنخفض من تکاليف الإنتاج وتزيد من الإنتاجية، وحدات استطاعت في بدايات ظهورها الاحتکارات إلى زيادة أجور العمال ونشر استهلاک شتى المنتجات.

ولذلک ليس من المستغرب أن نجد من علماء الاقتصاد ـ ورما کان أشهرهم الاقتصادي النمساوي الأمريکي جوزيف شومبتير ([3])ـ من يدافع عن الاحتکار ويرى فيه العديد من المزايا أهما، أنه يحقق وفرات الحجم الکبير وأنه يحفز علي التقدم التکنولوجي عندما تتوافر له الأرباح التي تمکنه من الإنفاق على البحث والتطوير والابتکارات([4]).

أما بعد ذلک فقد انقلبت الاحتکارات بالفعل إلى عائق شديد الخطورة في سبيل التقدم، وأصبح الاحتکار بمثابة حجر عثرة في سبيل تطور الحياة الاقتصادية ويؤخرها. حتى أصبح النظام الرأسمالي عندئذ عاجزاً عن الاستمرار في المضي السريع إلى الأمام. وفقد النظام الرأسمالي إلى حد بعيد ما کان يتميز به في الأصل حرکة مطرده وثابتة.

ومنذ ذلک الحين أصبحت الممارسات الاحتکارية غير التنافسية تنطوي علي أضرار ومخاطر جسيمة، ليست ذات أبعاد اقتصادية فحسب، وإنما ذات أبعاد اجتماعية وسياسية([5]).وذلک لأن الشرکة التي ترغب في السيطرة علي سوق منتج ما تلجأ في سبيل ذلک إلى اتخاذ کافة الوسائل الممکنة التي تتيح لها التخلص من المنافسين الموجودين في هذا السوق. بالإضافة إلى وضع العراقيل أمام ظهور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلک بهدف التوصل إلى احتکار هذا السوق فإنها تعمل علي تخفيض الإنتاج وزيادة الأسعار لتغطية هامش ربحيتها دون الاهتمام بجودة المنتج ولا شک أن القضاء علي المنافسة ومنع ظهور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يؤدي إلى فقد الکثير من الأيدي العاملة لأعمالها وبالتي انتشار البطالة وعدم العدالة في توزيع الدخل وانتشار الفقر، وزيادة معدلات الجريمة، وکذلک انخفاض في مستوى الاستهلاک وانتشار الرکود مما قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات سياسية([6]).

وفضلا عما سبق، فقد کان لانتشار المشروعات الکبيرة والاتحادات والکازتيلات الاحتکارية وازدياد قوتها. من ناحية، وتقهر المشروعات الصغيرة والمتوسطة أمامها من ناحية أخرى، نتائج خطيرة. ألقت بظلالها علي العديد من الموضوعات التي أثارت العديد من التساؤلات الهامة، ومن بين هذه التساؤلات:ـ

ما هو أثر الممارسات الاحتکارية علي الإنتاج ؟ وما هو أثر الممارسات الاحتکارية علي العمالة؟ وما هو أثر الممارسات الاحتکارية علي مستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ؟ وما هي العلاقة بين الابتکار والأزمات الاقتصادية. وبالواقع أن محاولة الإجابة علي هذه الأسئلة المثارة سابقاً. يثير عديداً من القضايا النظرية والمنهجية، وتتطلب الدراسة الدقيقة للموضوع، معلومات أکثر فأفضل من تلک المتاحة حالياً في مصر. ولمناقشة وبحث هذا الموضوع سوف نقسم دراستنا لهذا البحث في الفصول التالية:

الفصل الأول: الاحتکار وأثره علي العملية الإنتاجية

الفصل الثاني: أثر الممارسات الاحتکارية علي العمالة.

الفصل الثالث:ـ أثر الممارسات الاحتکارية علي مستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

الفصل الرابع:ـ الاحتکار والأزمات الاقتصادية.

 



([1]) ذهب القلة من علماء الاقتصاد صوب الدفاع عن الاحتکار، وربما کان أشهرهم الاقتصادي النيمساوي الامريکي جوزيف شمبيتر. حيث قرر هذا الکاتب في نهاية اباب التاسع من کتابه المعنون باسم Capitalism – socialism and Democracy. والصادر في لندن عام 1950، " إن الاحتکارات هي جهاز وأداة للرقي " ـ راجع في ذلک الشأن د. زکريا أحمد نصر. تطور النظام الاقتصادي مقدمة لدراسة الاقتصاد السياسي الطبعة الأولى، مطبعة نهضة مصر. 1964 ص 349.

([2]) انظر د. زکريا أحمد نصر. تطور النظم الاقتصادي. مقدمة لدراسة الاقتصاد السياسي. الطبعة الأولى. مطبعة نهضة مصر. 1964، ص351.

([3]) کان شومبتير من أکثر الاقتصاديين الذي حاولوا الدفاع عن مزايا الاحتکار حيث ذه إلى أن أهم ما يحققه الاحتکار هو الابتکار، وکان يرى أن رجل الأعمال يلقي أکبر قدر من التمويل والتشجيع عندما يکون القائم بالابتکار متحرراً من خطر المحاکاه والمنافسة وأن هذه الحرية تتحقق أفضل إمکانياتها في حالة الاحتکار. وذهب شومبتير إلى أن عالم المنافسة عقيم نسبياً. من حيث الابداع. ورغم هذه الآراء لشومبتر إلا أنها کانت ذات أثر محدود، حيث کان النظام الکلاسيکي علي قناعة تامة بان الاحتکار شراً لا يمکن الدفاع عنه. انظر. / جون کينث جالبرت. تاريخ الفکر الاقتصادي الماضي صورة الحاضر. ترجمة أحمد فؤاد بليغ. تقديم اسماعيل صبري عبد الله. سلسلة عالم المعرفة ـ المجلس الوظيفي للثقافة والفنون والأدب. الکويت، سبتمبر 2000، ص 199، 213

انظر أيضاً J.schumeper. capitalisim. socialisim and democracy. London 1950 chap VIIII حيث قرر الکاتب في نهاية الباب التاسع ان الحتکار جهاز وأداة للرقي.

([4]) إن مثل هذه الآراء وهي تدافع عن الاحتکارات، وترى فيه الکفاءة علي تقديم المواد التي تتلائم مع أذواق المستهلکين أو تقليل نفقات الإنتاج أو التقدم التکنولوجي مثل هذه الآراء أعتقد أنها کطمس الجهور الاستغلالي للحتکارات من ناحية فضلاً عن أنها تثير جدلاً حول حقيقة ذلک، فقد يحفز الاحتکار علي التقدم التکولوجي، ولکنه يمنع أو يحد من النشاط الابتکاري لأن المحتکر قد لا يسعى إلا التجديد والابتکار نتيجة ضمان السوق بسبب وضعه الاحتکاري. انظر د. أحمد مصطفى عفيفي. الاحتکار وموقف الشريعة الاسلامية منه في إطار العلاقات الاقتصادية المعاصرة، مکتبة وهبة، 2003، ص 22

انظر ايضاً د. محمد متولي دکروري محمد. دراسة عن حماية المنافسة ومنع الاحتکار، قطاع مکتب الوزير الادارة المرکزية للبحوث المالية والتنمية الإدارية، مجلد البحوث المالية، المجلد الأول، 2007، ص 93

([5])Iron.millsterin: book review (Philip Areed and Donald f. Turnen: Antitrust law , Harvard alw review , wol 93,no 3, 1980 p 619

Brain Atkinson , peios Boker and Babmilword , Eonomic , policy , Macmillan press. London 1996. p.40

([6]) انظر در أمل محمد شلبي. الحد من آليات الاحتکار، منع الاغراق، الاحتکار من الوجهة القانونية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2006 ص 25. انظر ايضاً د. عمر محمد حماد الاحتکار، المنافسة غير المشروعة، دراسة تحليلة مقارنة. رسالة دکتوراه، کلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2008 ص7.