نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
أستاذ القانون الجنائي کلية الحقوق - جامعة القاهرة
نقاط رئيسية
تکملة المقال داخل الملف المرفق
الموضوعات الرئيسية
مقدمة
- أهمیة موضوع الدراسة:
انطلاقا من کونها مهنة حرة تمارس دورها الأساسی فی الدفاع عن مصالح المتخاصمین أمام جهات التقاضی فی الدعاوى المختلفة والمتهمین فی الدعاوى الجنائیة، کان من الملائم توفیر حمایة قانونیة، وما یتفرع عنها من حمایة جنائیة، تکفل توفیر أجواء من الطمأنینة والحریة والخصوصیة لممارسة المحاماة باعتبارها شریکا للسلطة القضائیة فی تحقیق العدالة وتأکید سیادة القانون، وفقا لما ورد بالمادة الأولى من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وأکدته المادة 198 من الدستور المُعدَّل الصادر عام 2014.
والحقیقة أن غایة الإجراءات القانونیة عموما والإجراءات الجنائیة على وجه الخصوص لیس إدانة المتهم بارتکاب الجریمة، وإنما کشف الحقیقة وإقامة العدالة الجنائیة، سواء کانت هذه العدالة وتلک الحقیقة متمثلة فی إدانة المتهم أو براءته. وقد استقر فی الفکر القانونی العام أن إفلات عدد من المتهمین من العقاب أفضل من إدانة برئ واحد. والأفضلیة هنا نسبیة بطبیعة الحال، لأن الأفضلیة المطلقة المأمولة تتمثل فی اجتناب إدانة برئ والحیلولة دون إفلات مجرم من العقاب، نظرا لما سیجنیه المجتمع جراء ذلک من استقرار وأمان بسبب انتفاء الشعور العام بالظلم والقهر أو ضیاع الحقوق والمظالم.
ونظرا لأن المتهم بارتکاب جریمة، أو المتقاضی عموما، قد لا تتوافر لدیه المعرفة القانونیة اللازمة لممارسة حق الدفاع عن نفسه، فضلا عن احتیاج ممارسة هذا الحق إلى هدوء التفکیر ورویته، وهو ما قد ینتفی لدی المتهم العارف بتفاصیل القانون، فقد کفل الدستور والقانون، فی نصوص عدیدة، للمتهم حق الاستعانة بمحام یعاونه فی تحقیق صالحه ویبصره بما یخفى علیه من أمور قانونیة أثناء سیر إجراءات الدعوى الجنائیة. ونظرا لما یولیه المتهم من ثقة فی محامیه فیطلعه على کثیر من تفاصیل الواقعات موضوع الدعوى، فإن المحاماة تمارس دورا أساسیا فی معاونة القضاء على الوصول إلى حکم صحیح فی الدعوى المنظورة أمامه من خلال ما یعرضه المحامی أمام القاضی شفویا أو کتابیا من نقاط تتصل بموضوع الدعوى.
وقد تضمنت النصوص الدستوریة والتشریعیة العدید من أوجه الحمایة الجنائیة، الإجرائیة منها والموضوعیة، وذلک فی صورة ضمانات تکفل لمهنة المحاماة خصوصیتها المستمدة من کونها مستودعا لأسرار الدفاع، وهذا ما أکدت علیه المادة 98 من دستور عام 2014 عندما ذکرت أن استقلال المحاماة وحمایة حقوقها ضمان لکفالة حق الدفاع. ومن هنا جاءت أهمیة هذه الدراسة فی إلقاء الضوء بمنهجیة تحلیلیة نقدیة متعمقة على مظاهر هذه الحمایة، للوقوف على نطاقها وما یمکن أن یکتنفها من غموض وما قد تحتاج إلیه من ضمانات أوفر من أجل مزید من الفعالیة لممارسة مهنة المحاماة.
وسوف نطوف فی دراستنا عن الحمایة الجنائیة لمهنة المحاماة بین تشریعات عدیدة ذات صلة بموضوعها، نبحث فی ثنایاها عما توفره من ضمانات تجسد فعلیا هذه الحمایة الإجرائیة والموضوعیة، سواء لمکتب المحاماة باعتباره مستودعا لأسرار المهنة عموما ولأسرار الدفاع خصوصا، أو للعلاقات المهنیة والاتصالات الجاریة بین المحامی وموکلیه عموما والمتهمین خصوصا، أو للمحامی نفسه الممارس لأعمال مهنة المحاماة. وننوه أن هذه الحمایة لیست من قبیل الحصانة الشخصیة لأی من عناصر ممارسة مهنة المحاماة، ولکنها حصانة للمهنة ذاتها تتقید الاستفادة منها باتباع أصولها وما تستلزمه ممارستها من أعمال.
وفضلا عما تتضمنه النصوص القانونیة من ضمانات عملیة تکفل حمایة جنائیة لممارسة مهنة المحاماة، وهو ما تنصب علیه دراستنا، فإن نصوص أخرى تتضمن توجیهات عامة تعد من قبیل الأدبیات القانونیة التی یستلزم تطبیقها فی الواقع العملی نصوصا ملزمة تتضمن آلیات محددة لتحقیق غایاتها فضلا عن جزاءات تفرض احترامها. ومن هذه النصوص ما تقرره المادة 49 من قانون المحاماة من حق للمحامی فی أن یعامل من المحاکم وسائر الجهات التی یحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة. وما تقرره المادة 198 من دستور عام 2014 من أن الضمانات والحمایة التی یتمتع بها المحامون أثناء تأدیتهم حق الدفاع أمام المحاکم تسری علیهم أیضا أمام جهات التحقیق والاستدلال.
والحقیقة أن النصوص القانونیة لا تقرر فقط حقوقا وضمانات للمحامین، وإنما تشتمل کذلک على العدید من الواجبات والالتزامات، إلا أن المُلاحظ فی هذا الخصوص أنها واجبات والتزامات تستهدف هی أیضا وفی المقام الأول الحفاظ على کرامة مهنة المحاماة واعتبارها. ومن ذلک ما تفرضه المادة 62 من قانون المحاماة على کل من یمارس مهنة المحاماة من الالتزام، لیس فقط فی سلوکه المهنی وإنما أیضا فی سلوکه الشخصی، بمبادئ الشرف والنزاهة المستمدة من القانون واللائحة وقبل ذلک من آداب المحاماة وتقالیدها وأخلاقیاتها، وهی أمور یتضمنها قَسَمُ مهنة المحاماة الوارد فی المادة 20 من قانون المحاماة. ومن ذلک أیضا ما تشیر إلیه المادة 67 من قانون المحاماة من مراعاة المحامی فی مخاطبته المحاکم للتوقیر اللازم القائم على الاحترام والتعاون المتبادل بین المحامین وبین أعضاء الهیئات القضائیة.