النظام القانوني للتطوير العقاري دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس القانون المدني کلية الحقوق – جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

التعریف بالموضوع وأهمیته

مما لا شک فیه أن الـقـطـاع الــعــقــاری فی وقتنا الحالی أصبح من القطاعات الاقتصادیة الحیویة الـتـی تـسـتـأثـر وتستحوذ على اهتمام عدد کـبـیـر مـن المستثمرین. حیث صار مـــن الـقـطـاعـات الآخــــذة فـی الـتـطـور والـنـمـو المـتسـارع، وأصبح یشکل عـامـل جـذب بالنسبة للعدید من شرکات التطویر العقاری والمستثمرین، فالیوم بات واحـداً من بین أهم القطاعات الاقتصادیة الـتـی تـقـوم علیها اقتصادیات الــــدول المـتـقـدمـة.

والیوم یشهد السوق العقاری تحولاً کبیراً، بعدما تسربت إلیه مجموعة من المصطلحات والمسمیات الجدیدة التی أصبحت تغزوه وتحمل الکثیر من المفاهیم الجدیدة فی صناعة البناء والتشیید، والتی نحاول من خلال هذه الدراسة تسلیط الضوء على إحداها بشیء من التفصیل ألا وهو مصطلح "التطویر العقاری"، الذى أصبح منتشراً فی الآونة الأخیرة بعد نجاح عدد کبیر من المشروعات الاستثماریة العقاریة، خاصة بعدما تم تطویر عدد کبیر من المدن الصناعیة التی قال عنها البعض أنها" لم تعد فی ظل مشروعات التطویر قاصرة على التصنیع فقط، بل أصبحت تلک المدن تشکل تجمعات سکانیة ومجتمعات عمرانیة مستدامة متکاملة الأنشطة والخدمات لقاطنیها"([1]).

 فمصطلح التطویر العقاری Real Estate Development بات من المصطلحات الحدیثة فی مجال الاستثمار العقاری، إلى جانب العدید من المصطلحات الأخرى کالتمویل والتسویق والتقییم العقاری ([2]).

وصناعة التطویر هی صناعة حدیثة نسبیاً، لا یمکن مقارنتها بصناعة البناء والتشیید التقلیدیة التی وجدت مع وجود حاجة الإنسان إلى المأوی، لأنها أصبحت تعبر عن فکر وإبداع وحلول، تقدم من جانب شخص یسمى بـالمطور العقاری، الذی عادة ما یکون محترفاً لتلک المهنة، حیث یقوم بتحویل أفکاره المبتکرة والإبداعیة على الورق إلى واقع ملموس نشهده على الأرض فی شکل عقارات. الأمر الذی یستوجب من کافة الجهات والأجهزة المعنیة داخل الدولة أن توفر لهذه الصنعة کافة احتیاجاتها لخلق بیئة استثماریة جاذبة لتنمیتها وتفعیل دورها ([3]).

کما یجب القول حقیقة، بأن صناعة التطویر العقاری قد نالها النصیب الأکبر من الآثار الاقتصادیة التی اجتاحت الکثیر من دول العالم، خاصة خلال ما شهدته السنوات القلیلة الماضیة أولاً: عقب الأزمة المالیة العالمیة التی اجتاحت الکثیر من دول العالم عام 2008، حیث کان لها العدید من التداعیات والآثار الاقتصادیة، بصفة خاصة على السوق العقاری، حیث کان من أهم تداعیاتها أنها لفظت الکثیر من شرکات التطویر العقاری غیر الجادة والمستثمرین المضاربین على حد سواء ([4]). ثانیاً: بعدها بعدة سنوات تعرض أیضا الاستثمار العقاری وعلى وجه الخصوص قطاع التطویر العقاری إلى الکثیر من التخبط خلال الفترة الماضیة عقب الأحداث السیاسیة التی اجتاحت العدید من الدول والتی بدأت مع قیام الثورات فی بعض البلدان ومنها مصر، حیث أدت إلى تعثر الکثیر من الشرکات فی تنفیذ مشروعاتها، والوفاء بالتزاماتها، بسبب تعطل تلک المشروعات، وضیاع حقوق المشترین فیها، الأمر الذی أدى إلى قیام الدولة بسحب بعض الأراضی المخصصة للتطویر من بعض المطورین وشرکات التطویر العقاری.

والذی دفعنا إلى الحدیث عن هذین السببین الأساسیین وآثارهما الاقتصادیة، هو غیاب التنظیم التشریعی لمزاولة نشاط التطویر العقاری فی العدید من الدول ومنها جمهوریة مصر العربیة، فی الوقت الذی حرصت فیه دول أخرى على تنظیمه بتشریعات خاصة إلى جانب تشریعاتها العقاریة وعدم الاکتفاء بالأخیرة، لما لهذا التشریع من مزایا وفوائد جمة ([5]). فالاستثمار فی القطاع العقاری، یحتل مکانة وأهمیة کبرى فی جذب المستثمرین ورؤوس الأموال، فدائما وأبداً ما یتجه المستثمرون تجاه هذه النوعیة من الاستثمارات ویفضلونها، لأنهم یشعرون بأن الاستثمار العقاری أکثر مجالات الاستثمار أماناً واستقراراً، خاصة بعد النهضة والطفرة العمرانیة التی شهدتها العدید من الدول وبصفة خاصة فی بعض المدن الجاذبة للاستثمار خاصة فی منطقة الخلیج العربی، کدبى وأبو ظبی والریاض والدوحة والمنامة إلى غیر ذلک من المدن.

 ولکن هذا الأمان والاستقرار قد یتبدد بعض الشیء، فی العدید من الحالات خاصة عندما لا توفر التشریعات الضمانات القانونیة الخاصة بحمایة حقوق المستثمرین، فی المشروعات العقاریة التی تتوقف عن استکمال أعمالها أو التی یتم إلغائها. الأمر الذی قد یؤدى فی نهایة المطاف إلى خروج وهروب العدید من المستثمرین من السوق العقاری والبحث عن مجال أخر من مجالات الاستثمار الأخرى، خاصة بعد فقدانهم الثقة فیه.

 لذا على الدول الراغبة فی تشجیع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال نحو الاستثمار العقاری، العمل على سن تشریعات تضمنها العدید من الضمانات القانونیة والآلیات التی تحفز بها المستثمرین وتشجعهم على العودة مرة أخرى إلى الاستثمار فی هذا القطاع، وفى ذات الوقت تضمن لهم الحفاظ على حقوقهم وإعادتها لهم متى لحقت بالمشروعات العقاریة أسباب تؤدى إلى توقفها أو إلغائها. فازدهار أو تعثر مشروعات التطویر العقاری یؤثر بشکل مباشر وفعال على حرکة التنمیة الاقتصادیة.

 ولعل أفضل هذه التشریعات هو الاتجاه نحو سن تشریع خاص ینظم نشاط التطویر العقاری، مع الحرص على الاستفادة من تجارب الدول التی وضعت تشریعات منظمة لها وتفادى سلبیاتها وعیوبها، وبیان کیف استطاع المشرع فی تلک البلدان القیام بوضع قواعد تنظیمیة تنظم کیفیة مزاولة هذا النشاط بطریقة فعالة تخدم جمیع أطراف عملیة التطویر.

 وفى ذات الوقت یتعین أن یؤخذ بعین الاعتبار أن السوق العقاری فی ظل وجود تشریعات منظمة لصناعة لتطویر لم یعد یسیر بنفس الطریقة التی کان یسیر علیها فی الماضی، فتشریعات التطویر العقاری تتضمن العدید من المفاهیم والمصطلحات والآلیات ووسائل ضمان حدیثة تختلف عما کانت علیه عقود مقاولات البناء والتشیید فی الماضی.

 وبناء على ما سبق، فإن العمل على سن تشریع خاص بالتطویر العقاری یصب فی مصلحة الجمیع، المطور والمستثمر والدولة، وذلک من خلال خلق بیئة عقاریة آمنة ومستقرة عالیة المستوى، تسعى لتوظیف الأموال واستثمارها فی تطویر الأعمال وتشجیع الاستثمار، بحیث تعمل على ضمان وحمایة حقوق جمیع الأطراف، وفى ذات الوقت تسعى إلى تنمیة المجتمع من خلال سن تشریعات عقاریة واضحة مواکبة لتطورات العصر الحدیث وبصفة خاصة ملاحقة المستجدات فی عالم البناء والتشیید، ونشر المعرفة العقاریة بین أفراد المجتمع، وذلک لتوفیر حمایة فعالة لجمیع المتعاملین فی مجال القطاع العقاری. فالمستجدات الأخیرة فی صناعة التطویر لم ولن تترک فرصة لغیر الجادین بالعمل على المدى الطویل والاستمرار فی ظل المنافسة العالمیة ([6]).



([1]) د. سمیر نور الدین الوتار: أهمیة التطویر العقاری فی المدن والمناطق الصناعیة بالمملکة العربیة السعودیة، ورقة عمل مقدمة لندوة" صناع العقار"، السعودیة، سنة 1430 هجریة.

([2]) مهنة التقییم العقاری، أصبحت من المهن محل الاعتبار التی یجوز مزاولتها من قبل بعض الأشخاص الاعتباریة کالشرکات أو الأفراد متى حصلوا على تراخیص تجیز لهم ذلک، ویمکن اعتبارهم من قبیل الخبراء بشأن عملیة التقییم. للمزید عنهاالاطلاع على الموقع الإلکترونی التالی:

http://www.dubailand.gov.ae/Arabic/Pages/Taqyeem/AboutTaqee.

ولأصحاب تلک المهنة جمعیات یحق لهم الانضمام لعضویتها کما هو الحال بالنسبة للجمعیة المصریة لخبراء التقییم العقاری، التی تعد الممثل الرسمی والوحید لخبراء التقییم العقاری بمصر والممثل الرسمی لجمهوریة مصر العربیة فی اللجنة الدولیة للتقییم IVSC.

للمزید عنهاالرجوع للموقع الإلکترونی التالی: http://earea-eg.com

([3]) إبراهیم الصحن: کیف نحمی صناعة التطویر العقاری، مقال منشور بتاریخ السبت 26 صفر 1438 هـ. الموافق 26 نوفمبر 2016 العدد 8447. على الموقع الإلکترونی التالی:

 http://www.aleqt.com/2016/11/26/article_1105300.html.

([4]) د. محمد أیمن عزت المیدانی: الأزمة المالیة العالمیة: أسبابها وتداعیتها ومنعکساتها على الاقتصاد العالمی والعربی والسوری، محاضرة ألقیت فی ندوة جمعیة العلوم الاقتصادیة السوریة، دمشق – سوریا 3 أذار سنة 2009. ص 10 – 11. وقد ذکر الکاتب أن من بین آثار تلک الأزمة وتداعیتها على القطاع العقاری فی دولة الإمارات العربیة المتحدة، وبصفة خاصة إمارة دبی أن:" تراجعت أسعار العقارات فی دبی بنسبة 20% للجاهزة، وبنسبة 40% لقید الانشاء على الخریطة (جزیرة النخلة مثلاً) لعدم وجود مشترین بعد نزوح المستثمرین الأجانب ورغبتهم فی تسییل أصولهم بأی ثمن".

([5]) وهناک أمثلة کثیرة على تلک الدول وخاصة دول مجلس التعاون الخلیجی، منها على سبیل المثال، دولة قطر حیث أصدر المشرع القطری القانونرقم (6 ) لسنة2014 بتنظیم التطویر العقاری، وفى دولة البحرین أصدر المشرع البحرینی القانون رقم (28) لسنة 2014، وفى دولة الإمارات العربیة المتحدة أصدر المشرع المحلى فی إمارة دبى القانون رقم (8) لسنة 2007 فی شأن حسابات ضمان التطویر العقاری، و فی إمارة أبو ظبى صدر القانون رقم (3) لسنة 2015 بشأن تنظیم القطاع العقاری ، کما أصدرت إمارة عجمان مرسوم أمیری رقم (11) لسنة 2008 بشأن مؤسسة عجمان للتنظیم العقاری.

([6]) کما هو واضح من خلال رؤیة دائرة الأراضی والاملاک، حکومة دبی – دولة الإمارات العربیة المتحدة.

http://www.dubailand.gov.ae/Arabic/Pages/default.aspx.