النظام العام کصمام أمان لکفالة احترام أحکام الشريعة الإسلامية في مجال العلاقات الخاصة الدولية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ بکلية الحقوق جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


النظام العام کصمام أمان لکفالة احترام أحکام الشریعة الإسلامیة

فی مجال العلاقات الخاصة الدولیة

مقدمة

من یلقى نظرة فاحصة على واقع النظام القانونی المطبق فی البلاد العربیة والإسلامیة یستطیع أن یستنتج بسهولة تامة أن الکثیر من هذه الدول بدلا من أن تتجه الى اصدار قوانین مستمدة مباشرة من الشریعة الإسلامیة – على نحو ما استقر علیه فقهاء المذاهب الإسلامیة الکبرى – بدلا من ذلک اتجهت الى تبنى وتطبیق قوانین الدول الغربیة فاستعاضت بذلک عن شریعة الخالق بشریعة المخلوق, وبعد أن زال الاستعمار زولا مادیا ظل جاثما على صدور العباد بواسطة القوانین التی ظلت مطبقة فی الدول العربیة والإسلامیة ومن ثم ظل الاستعمار الفکرى والقانونى متواجدا ومستمرا فی هذه الدول.

تجاه الوضع السابق والى حین أن یصل الأمر الى ما نصبوا إلیه جمیعا من إصدار قوانین مطابقة لأحکام الشریعة الإسلامیة الغراء فی مختلف المجالات وفى مختلف أفرع القانون تبرز فکرة النظام العام کصمام أمان لکفالة احترام أحکام الشریعة الإسلامیة وهو ما یدور حوله موضوع البحث الحالی.

والبحث الحالی یدخل فی إطار المحور الثانى من محاور المؤتمر والذى یتعلق بالاتجاهات المعاصرة فی دراسة الأنظمة فی کلیات الشریعة وذلک على أساس أن هذا المحور یرصد الواقع المطبق أو ما هو کائن فی التطبیق من القوانین والأنظمة. فمن بین الموضوعات التی یثار التساؤل بشأنها دائما بمناسبة دراسة الأنظمة المعمول بها موضوع فکرة النظام العام والى أی حد یمکن للقاضى اللجوء الى النظام العام فی الحالة التی تشیر فیها قاعدة تنازع القوانین الى تطبیق قانون أجنبى ویتبین للقاضى أن تطبیق القانون الأجنبی على النزاع المطروح أمامه یتضمن مخالفة لقواعد الشریعة الإسلامیة على نحو ما هو سائد فی بلد القاضی.

ویتضح من ذلک أن لجوء القاضی الى استخدام النظام العام – وهو أمر یسمح به القانون الوطنى – إنما یهدف فی المقام الأول إلى کفالة احترام المبادئ الرئیسیة السائدة فی المجتمع الوطنى, ومما لاشک فیه أن هذه المبادئ الرئیسیة إنما تتعلق باحترام القواعد الجوهریة المستقر علیها فی الشریعة الإسلامیة وذلک باستبعاد تطبیق القانون الأجنبی الذى یتضمن مخالقة لقواعد النظام العام المستمدة من الشریعة الإسلامیة.

یمکن تصور قیام تنازع قوانین فی الدولة الاسلامیة فی حالات محدوده جدا، حیث یطبق فیه القاضی المسلم احکام اهل الذمة أو المستامنین على العلاقات فیما بینهم وذلک من خلال ترکهم واحکامهم، ما عدا ذلک یطبق القاضی المسلم الشریعة الاسلامیة، للتلازم بین احکام الشریعة الاسلامیة والقضاء الاسلامی، على العلاقة بین المسلمین أو على العلاقة التی تضم على الاقل طرفا مسلما، أو إذا اتفق غیر المسلمین على تطبیق احکام القانون الاسلامی.

یذهب اتجاه فی الفقه المعاصر إلى أن الشریعة الإسلامیة لا تعرف فکرة تنازع القوانین، استناداً إلى الحجج الآتیة:

1- مبدأ إقلیمیة الشریعة والتلازم بین الاختصاصین القضائی والتشریعی، وبالتالی لا تقبل الشریعة تطبیق قانون أجنبی على النزاع المطروح أمام القاضی المسلم.

2- انعدام التکافؤ النظامی بین الشریعة الإسلامیة والقوانین الأجنبیة (أو غیر الأجنبیة) بسبب الحروب التی کانت قائمة بین الإسلام والغرب المسیحی، ولأن الإسلام تحکمه شریعة دینیة، بینما الغرب الإسلامی تحکمه قوانین وضعیة. أی أن التبادل أو الاشتراک القانونی لا یوجد بین شریعة دینیة، وشریعة وضعیة([1]).

والواقع أن هذا الرأی لا یمکن قبوله لما یلى:

1- اعترف الإسلام بوجود قواعد تطبق على غیر المسلمین فی دار الإسلام دون أن تنتمی إلى شریعته (مثال ذلک شرائع أهل الکتاب الخاصة بالأصول الشخصیة).

2- أکد الإسلام على وجود علاقات دولیة خاصة مع أو بین غیر المسلمین عابرة للإقلیم الإسلامی، الأمر الذی یحتم وجود قواعد تحکمها.

3- اعتراف المسلمین بوجود بلاد غیر إسلامیة یعنی ضرورة وجود قواعد تحکم العلاقات الخاصة الدولیة التی تقوم بین المسلمین أو غیر المسلمین، أو تلک التی تتعلق بأشیاء موجودة عبر الحدود. وهذا هو أساس القانون الدولی الخاص ومشکلة تنازع القوانین: وجود عنصر أجنبی فی العلاقة القانونیة تتکالب على حکمه قوانین عدة.

من الثابت أن الزواج بالکتابیات غیر المسلمات أمر أباحته الشریعة الإسلامیة, ویعتبر الدین هو الأمر الذی یحکم مسائل الأحوال الشخصیة فی الفقه الإسلامى بصفة عامة وهو مایعد تطبیقًا لمبدأ شخصیة القوانین)[2])La personnalité . ویعد الزواج من الحقوق الأساسیة للإنسان ([3])، مسلما أو غیر مسلم الذی ورد فی أکثر
من آیة من آیات القرآن الکریم : [وَمِنْ آَیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآَیَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ] {الرُّوم:21}. وقوله تعالى: [وَاللهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَزْوَاجِکُمْ بَنِینَ وَحَفَدَةً ...] {النحل:72} .

وسوف نقسم البحث الحالی – من حیث المبدأ – الى مطالب ثلاثة:

 نتناول فی أولهما بعض أنواع من النظام العام التی یتعین استبعادها وفى المطلب الثانى نتعرض لتحدید النظام العام المعتد به وفى المطلب الثالث نتعرض للآثار التی تترتب على إعمال النظام العام فی مجال العلاقات الخاصة الدولیة.



([1]) د. أحمد عبد الکریم سلامة: نحو نظریة عامة للقانون الدولی الخاص الإسلامی، المرجع السابق، ص145-152. انظر أیضاً ص31.

ویضیف – ردًّا على الحجج آنفة الذکر- أنه:

«من التجاوز وتعدی الحقیقة، اتهام الفقه الإسلامی بجهله فکرة تنازع القوانین. فنستطیع أن نؤکد أن هذا الفقه قد عرف، فی حدود، منهج قواعد الإسناد. فقد أجاز للخصوم الترافع أمام القضاء الإسلامی، وعندما کان یتعلق أمر بدعاوى فیما بین غیر المسلمین من المستأمنین، وهم أجانب، فکان یطبق علیهم أحکام دیانتهم فی خصوص مسائل الأحوال الشخصیة. وکان ضابط الإسناد یستمد، هنا، من دیانة الخصوم. کما أن قانون هؤلاء، یطبق دائماً، عندما کان یتولى الفصل فی المنازعة قضاة (محکمین) غیر مسلمین. فقد أجیز لهم ذلک، باعتبار أنهم أکثر فهماً لأحکامه.

أما سائر المنازعات ذات العنصر الأجنبی، فقد واجهها الفقه الإسلامی بمنهج القواعد الموضوعیة» (ذات المرجع، ص41).

[2])) انظر فی خصوص أن مبدأ شخصیة القوانین کان هو المبدأ الذی کان سائدا عند ظهور الإسلام فی:

Sobhimahamassani the principles of international law in the light of Islamic doctrine Recueil des cours, acad dr. intern , la Haye ,1117 (1966.1), p252 et s.

([3]) قیل:«النکاح» لفظ مشترک بین العقد والوطء یرى الإباضیة أنه حقیقة فی العقد مجاز فی الوطء ، فهو لم یرد فی القرآن إلا للعقد ، والعرب تسمی العقد نکاحا لأنه یبیح النکاح فسمی السبب باسم المسبب » معجم مصطلحات الإباضیة ،ج2 ، ص 1025 .