الحماية الجنائية للحق في المعلومات الرسمية (دراسة مقارنة)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ القانون الجنائى المساعد کلية الحقوق- جامعة المنصورة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

- موضوع الدراسة:

  تتطور المبادئ القانونیة، حسب الحاجة التی تسعى إلى إشباعها، والمصلحة التی تهدف إلى حمایتها، وقد فرض التطور المعرفی، والتقنی قواعد ومبادئ قانونیة أصبحت حقًا مشروعًا، بعد أن کان ینظر إلیها على أنها استثناءُ، أو أمرُ محظورُ، ومن هذه الأمور الحق فی المعلومة؛ حیث کان الاعتقاد أنه حق استئثاری للدولة، تمنحه لمن تشاء، وتحجبه عمن تشاء إلى أن ظهرت مصطلحات مثل: الشفافیة، والحوکمة، والعولمة، والمشارکة، وبذلک حل الحوار محل الصمت، والوضوح محل الغموض، والمسؤولیة محل التستر، والیقین محل الشک، وأصبح للأفراد قدرة غیر مسبوقة على تبادل الأفکار والمعلومات بشتى الصور.

  وقد أدى ظهور هذا الحق إلى زیادة معرفة الأفراد، وتنوع ثقافتهم، وثقل مهارتهم، ورحابة فکرهم، ولن یتحقق ذلک إلا بالتطبیق السلیم له من خلال حریة تبادل المعلومات والبیانات والوثائق؛ خصوصًا ما کان منها فی حوزة السلطات العامة؛ لأن تضلیل العقول، وتزییف الحقائق، وحجب المعلومات لهو السبیل إلى تردی المجتمع، وجعله یهوى فی بحر لُجى یغشاه التخلف، والاستبداد، والشائعات، ظلمات بعضها فوق بعض، لا یستطیع الفرد، أو المجتمع الإبصار منها؛ لذا فإن الحمایة الجنائیة له أصبحت أمرًا مقضیًا؛ لتضمن التداول المشروع للمعلومات والبیانات؛ لأن الحق لا یکون جدیرًا بالحمایة إلا إذا استعمل استعمالًا مشروعًا، لیضمن خصوصیة الأفراد، وأمن مجتمعهم، وعدالته.

  انطلاقًا من أن الحق فی المعلومة کالدواء، قلیله لا یکفی، وکثیره لا یشفی، فالإنسان إن کان بحاجة ماسة، وملحة لضوء الشمس، فهو نفسه بحاجة إلى ظلام اللیل؛ للقدرة على التصرف، والشعور بالثقة الأمر الذی یترتب علیه حجب بعض المعلومات، وإحاطتها بالسریة؛ فالحقوق لیست مطلقة، وإنما مقیدة بما یضمن تحقیق أهدافها.  


- مبررات الدراسة:

  تقف الکثیر من الأسباب وراء اختیار هذا الموضوع لعل أهمها:

1- الرغبة المجتمعیة المتزایدة نحو إصدار قانون مستقل یتعلق بالحق فى المعلومات الرسمیة، انسجامًا مع المواثیق الدولیة، واعتراف الدستور المصری الصادر فی 2014م به فی المادة 68، والتی أوضحت أن المعلومة حق لجمیع أفراد المجتمع، دون صدور قانون ینظم ذلک الحق إلى الأن.

2- الأزمات المجتمعیة المتصاعدة دائمًا نتیجة غیاب الشفافیة والمساءلة، وسوء الإدارة مما جعل هناک حاجة ملحة للحق فى المعلومات الرسمیة؛ لاتخاذ قرار اقتصادی وسیاسی صائب؛ فالمعلومات تتیح لمتخذ القرار القدرة على التصرف، وتعزز الثقة بین السلطات العامة والفرد، کما أنه یترتب علیها القدرة على المساءلة، وعدم الإفلات من العقاب، وهذا بدوره یخلق رغبة فی التصرف وفق القانون، إضافة إلى دورها بالنسبة للمستقبل فى التخطیط، ومعرفة حقیقة ما تم فى الماضى، وحمایة البیئة، وتحقیق التنمیة المستدامة.

3- ظهور الشرکات العملاقة الکبرى فی شکل مؤسسات تعاونیة تجمع بین الدول والمنظمات الدولیة، والشرکات والمنظمات غیر الحکومیة، ومن ثم العمل على تحقیق المساواة بین الشرکاء، وعدم خلق وضع تمییزى للدولة على حساب شرکائها، حیث لابد من إتاحة المعلومة للجمیع، وبنفس القدر.

4- التطور التکنولوجی الهائل فی ذلک العصر، وما ترتب علیه من انسیاب فی المعلومات؛ ورغبة المواطنین فى التمتع بذلک الحق کما فى الدیمقراطیات الغربیة، والحد من إساءة بعض المؤسسات لذلک التدفق المعلوماتى، ونشر الشائعات، وتضلیل أفراد المجتمع، حیث کان التضلیل سببًا فی سحب الثقة من رئیسة البرازیل-دیلما روسیف- المتهمة بالتلاعب فی الحسابات العامة للدولة، وتضلیل أفراد المجتمع؛ لأغراض انتخابیة([1])

5- ما أثاره هذا الحق مؤخرًا من إشکالیات قانونیة، وسیاسیة، والعمل على تحقیق التوازن بین الحق فى المعلومات الرسمیة، والحفاظ على الأسرار التجاریة، والشخصیة، وصیانة أمن الدولة، فضلًا عن التحدیات التقلیدیة المرتبطة بثقافة الدولة المتمترسة حول السریة، وإرثها التاریخی الذی یثبت ذلک، ویقید هذا الحق.



([1]) صوت مجلس الشیوخ البرازیلى یوم الأربعاء الموافق 10/ 8/ 2016م على إجراء محاکمة اقالة للرئیسة دیلما روسیف وهى عملیة یمکن أن تؤدى إلى اقصائها نهائیًا عن الرئاسة، وکان ذلک نتیجة تصویت 59 من أعضاء المجلس على محاکمة روسیف التى عُلقت مهامها الرئاسیة موقتًا فى مایو، مقابل 21 عارضوا القرار.