إشکاليات التنظيم التشريعى لحق الإضراب دراسة فى قانون العمل المصرى المقارن

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الحقوق - جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمــة

عانى العمال منذ القِدم من اختلال التوازن بینهم وبین أصحاب الأعمال مالکى رؤوس الأموال، المتحکمین فى سوق العمل، وقد هدتهم فطرتهم السلیمة إلى أن أقوى سلاح یملکونه لمواجهة أصحاب الأعمال، ولعله السلاح الوحید الذى یملکونه فى هذه العلاقة غیر المتکافئة، هو التوقف عن العمل للضغط علیهم للاستجابة إلى مطالبهم المهنیة، وتذکر أدبیات قانون العمل وقوع إضرابات فى مصر الفرعونیة فى عامى 1490 و1283 قبل المیلاد([1])، ولا یُعد الإضراب بذلک ظاهرة حدیثة، بل هو حقیقة واقعیة موغلة فى القِدم، لجأ إلیها العمال بصورة تلقائیة کمعادل لسلطة صاحب العمل مصدر القرارات الاقتصادیة والاجتماعیة والتأدیبیة، ووسیلة تصحیح فعالة لتقلیل الفجوة بین مرکز العمال وأصحاب الأعمال.

ویُعد الإضراب عاملاً رئیسیاً فى إعادة التوازن بین الطبقة العاملة وطبقة أصحاب الأعمال، بل أنه الوسیلة الطبیعیة التى یتحقق بها هذا التوازن من الناحیة الفعلیة، وإذا کان الإضراب لیس هو الوسیلة الوحیدة لحل منازعات العمل الجماعیة، إذ یوجد إلى جواره العدید من الوسائل، والتى تتسم بالسلمیة، وتبتعد عن الطابع التنازعى الذى یکتسیه الإضراب، مثل المفاوضة الجماعیة والوساطة والتوفیق، إلا أن هذه الوسائل الأخرى تستغرق وقتاً أطول، فضلاً عن أن صاحب العمل یظل محتفظاً فیها بمرکزه المتفوق فى مواجهة العمال، ولذلک فإن الإضراب یُعد وسیلة ناجعة فى نجاح الوسائل الأخرى لحل منازعات العمل الجماعیة، فالتلویح به أثناء إعمال هذه الوسائل یُعد عاملاً قویاً فى إنجاحها.

ویُعد الإضراب بذلک أحد الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة التى تتمتع بها الطبقة العاملة، بحسبان أن هدفه هو تصحیح عدم التوازن الاقتصادى والاجتماعى الذى تعانى منه هذه الطبقة فى علاقتها مع أصحاب الأعمال.

والإضراب حرکة مؤقتة بطبیعتها تنتهى إما بنجاحه باستجابة صاحب العمل للمطالب العمالیة سواء کلیاً أو جزئیاً أو حتى بقبوله التفاوض مع العمال بشأنها وعودة العمال إلى أعمالهم، أو بفشله بإصرار صاحب العمل على عدم الاستجابة لمطالب العمال، واستسلام هؤلاء الأخیرین وعودتهم أیضاً إلى أعمالهم.

ویتسم الإضراب – بالإضافة إلى التأقیت – بأنه ذو ذاتیة خاصة، إذ یسمح للعمال بالتوقف عن العمل مع عدم ترتیب الآثار المرتبطة بعدم تنفیذ التزاماتهم، ومن ثم فهو کظاهرة جماعیة لا یمکن تفسیره على ضوء قواعد القانون المدنى، تلک القواعد الموضوعة لحکم الظواهر الفردیة([2]).

واعترف المشرع فى معظم دول العالم للعمال بالحق فى الإضراب، فقد کان لزاماً على المشرع أن یمنح العمال أداة قانونیة قادرة على التغییر، ووسیلة ضاغطة یستطیعون من خلالها التأثیر على أصحاب الأعمال، لیحصلوا منهم على بعض حقوقهم، حتى تصبح علاقاتهم – وإن لم تصل إلى التکافؤ – أقرب إلى التکافؤ.

وحق الإضراب لیس حقاً مطلقاً، بل یتعین أن توضع له ضوابط وحدود - شأنه شأن سائر الحقوق – تمنع التعسف فى استخدامه، ویتعین على المشرع حین ینظم ممارسة هذا  الحق أن یراعى التوازن بین الدفاع عن المصالح المهنیة والذى یُعد الإضراب أبرز وسائله، وحمایة المصلحة العامة ومصالح أصحاب الأعمال والتى قد یمثل الإضراب اعتداءً علیها.

وعلى المستوى الدولى لم تصدر عن منظمة العمل الدولیة أیة اتفاقیة أو توصیة خاصة بالإضراب، إلا أن لجنة الحریات النقابیة بمنظمة العمل الدولیة ساهمت باقتدار فى وضع الکثیر من المبادىء والقرارات المتعلقة بحق الإضراب.

وفى فرنسا نصت مقدمة دستور سنة 1946 على حق العمال فى الإضراب، کما دعا المشرع الدستورى المشرع العادى إلى إصدار القوانین التى تنظم ممارسته، إلا أنه لم تصدر قوانین فى هذا الشأن، ومن ثم فإن حق الإضراب فى فرنسا هو حق مقرر دستوریاً، ولکن لم ینظم المشرع ممارسته، فقد خص المشرع إضراب العاملین بالقطاع الخاص بمادة واحدة فى قانون العمل، وأفرد لإضراب العاملین فى المرافق العامة خمس مواد، لما قد یترتب على الإضراب فیها من نتائج قد تمس السیادة الوطنیة من جهة، ولضمان سیر المرافق العامة بانتظام واضطراد من جهة أخرى.

وإذا کان المشرع الفرنسى قد عزف عن تنظیم الإضراب تنظیماً یحدد ملامح هذا الحق، وحدود وضوابط ممارسته، فإن الفقه والقضاء الفرنسیین کان لهما شأن آخر، إذ ساهما معاً بجد واقتدار فى وضع أسس نظریة فقهیة قضائیة ثریة تثیر الانتباه، وجدیرة بالدراسة والتحلیل.

 وفى مصر انتظر العمال عقوداً طویلة حتى اعترف لهم المشرع بحق الإضراب فى قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وقام بتنظیمه فى هذا القانون لأول مرة، وتلا ذلک اعتراف الدستور الحالى بحق العمال فى الإضراب.

وتهدف دراستنا إلى تحلیل تنظیم قانون العمل المصرى لممارسة العمال لحق الإضراب فى ضوء المبادىء التى وضعتها لجنة الحریات النقابیة من جهة، والأسس التى وضعها الفقه والقضاء الفرنسیان من جهة أخرى.

ودراسة التنظیم التشریعى المصرى لحق الإضراب تقتضى أن تسبقها دراسة لماهیة الإضراب ومدى مشروعیته کمدخل ضرورى لدراسة الإضراب وعلى ذلک تنقسم دراستنا إلى فصلین على النحو التالى:

الفصل الأول: مدخل لدراسة الإضراب.

الفصل الثانى: تنظیم قانون العمل المصرى لحق الإضراب.

والله الموفق والمستعان



([1])BRUN (A.) et GALLAND (H.) «Droit du travail», Sirey, Paris 1958, p. 882.                                                                                                       

([2])د. أکثم الخولى «دروس فى قانون العمل»- مطبعة نهضة مصر – القاهرة 1957 – ص215.