الحماية القانونية لخصوصية البيانات الشخصية في العصر الرقمي دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس القانون المدني بکلية الحقوق – جامعة القاهرة

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمــة

أثناء کتابة العبارات الأخیرة فی هذا البحث حول الحمایة القانونیة لخصوصیة البیانات الشخصیة فی العصر الرقمی، حصل مالم یکن فی حسبان أکثر المتشائمین فی مجال إعمال الحمایة القانونیة للحق فی الخصوصیة ولا حتى فی حسبان المتفائلین منهم، فتحدیدًا وبتاریخ 3 أبریل 2016 سربت 11.5 ملیون وثیقة تتعلق ببیانات وحسابات وتعاقدات کانت قد تمت خلال الاربعین سنة الماضیة فی اکبر عملیة کشف لخصوصیة بیانات الاشخاص الذین یعتبرون طرفا فی تلک العملیات- بغض النظر عن قانونیتها- وقد عرفت تلک الوثائق المسربة بوثائق بنما نسبة الى البلد الذی تنتمی الیه شرکة الخدمات القانونیة التی تحتفظ بهذه البیانات وهی شرکة موساک فونسیکا للخدمات القانونیة فی بنما..

وقد تضمنت عملیة التسریب للوثائق کشفًا لخصوصیة بیانات تتمتع أساسًا بالحمایة وشملت رسائل برید الکترونی ومراسلات وصور من عقود وغیرها ([1])، وهو الأمر الذی یحمل على التساؤل حول مدى حمایة الحق فی خصوصیة البیانات فی العصر الرقمی، وهو ذاته السؤال- الاشکالیة التی تم طرحها فی هذه الدراسة حتى قبل ما یکشف عن وثائق بنما، ولعل هذا الامر یعد عاملًا إضافیًا یدخل ضمن مخرجات یهدف البحث الماثل الى الوصول الیها.

وفی هذ الإطار فإن البیانات الشخصیة تعد من قبیل الخصوصیة المعلوماتیة التی یتم معالجتها بطریقة آلیة ([2])، ومن ثم یود کل شخص الحفاظ علیها وحمایتها من الاعتداء علیها من الغیر ([3]). وتتجلى أهمیة توفیر الحمایة القانونیة - فی وقتنا الحاضر - لهذه البیانات الشخصیة بعد ظهور العلاقة القویة بین التقنیات الحدیثة والحق الشرعی فی الخصوصیة، من خلال عملیتی تجمیع المعلومات الشخصیة و مشارکتها ([4]).

ولا تختلف البیانات الشخصیة التقلیدیة عن البیانات الشخصیة الرقمیة إلا فی أن الأخیرة تستخدم عند التعامل مع الوسائط الإلکترونیة ([5]). فکلتاهما عبارة عن البیانات الشخصیة لکل إنسان التی تشمل اسم ولقب الشخص ورقم هاتفه والرقم البریدی والسن والجنس وتاریخ المیلاد والجنسیة وغیرها من البیانات التی یمکن من خلالها تحدید صاحبها أو یکون قابلًا للتحدید. ولا ینکر أحد أن البیانات الشخصیة للأفراد حق من حقوقهم الأساسیة اللصیقة بالشخصیة والتی تجب حمایتها مدنیًا وجنائیًا)[6](.

وإذا کانت بعض التشریعات المقارنة - کالتشریع الفرنسی والأمریکی والتونسی والعمانی وحدیثًا المشرع القطری بإصداره القانون رقم 13 لسنة 2016 بشأن حمایة خصوصیة البیانات الشخصیة- قد کفلت الحمایة القانونیة للبیانات الشخصیة، وعرفتها وبینت صور حمایتها القانونیة، فإن المشرع المصری لم یسن تشریعًا خاصًا یحمی به البیانات ذات الطابع الشخصی باستثناء مجموعة من النصوص القانونیة المتفرقة فی عدة تشریعات ذات الأثر المحدود.

وهذا یعنى أن التشریع المصری جاء خلوًا من أی تنظیم قانونی خاص لحمایة البیانات الشخصیة التی یتم معالجتها بطریقة آلیة أو الکترونیة من قبل أشخاص طبیعیین أو معنویین ([7]



[1]- راجع فی هذا الصدد الموقع التالی:

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/04/160404_panama_papers_q_and_a

[2] - راجع: د. سامح عبد الواحد التهامی – ضوابط معالجة البیانات الشخصیة – دراسة مقارنة بین القانون الفرنسی والقانون الکویتی – مجلة کلیة القانون الکویتیة العالمیة – العدد 9 – السنة الثالثة مارس 2015 – ص404، وما بعدها.

[3]- ومن ثم ذهب البعض إلى القول بأن " البیانات الشخصیة عنصر من عناصر حمایة السریة الشخصیة واحترام الحیاة الخاصة یتعین أن تخضع من حیث نطاق الحمایة لما خضعت له عناصر حمایة الخصوصیة المادیة، المسکن والمراسلات وغیرها". راجع: یونس عرب: التدابیر التشریعیة العربیة لحمایة المعلومات، مجلة العربیة فى 6/ 1/2003، بحث منشور رقمیًا عبر موقع نادى الإحیاء العربى، وعنوانه:

http://alarabiclub.org/index.php?p_id=213&id=248

ولانبالغ إذا قررنا أن احترام الحق فى احترام البیانات الشخصیة أو الخصوصیة المعلوماتیة للإنسان تعد من الحقوق الشخصة التى تثبت له باعتباره إنسانًا. راجع فى هذا المعنى: د. حسام الدین کامل الأهوانی: أصول القانون مطبعة ابناء وهبه حسان - القاهرة 1988 - ص 571، وکذلک مؤلفه: الحق فى احترام الحیاة الخاصة – الحق فى الخصوصیة – مکتبة دار النهضة العربیة القاهرة 1978. کما أن الخصوصیة المعلوماتیة تعد حقًا دستوریًا یثبت للإنسان ولذا نصت جمیع الدساتیر على هذا الحق. راجع نصی المادتین 57 من دستور مصر الصادرعام 2014.

[4] - فهد عبد العزیز سعید: مفهوم الخصوصیة وتاریخها، بحث منشور الکترونیًا على موقع التمیز لأمن المعلومات وعنوانه: http://coeia.ksu.edu.sa

إذا کان لکل شخص الحق فى احترام حیاته الخاصة عند اتصاله بطریقة الکترونیة، فهذا الحق ینطبق کذلک على کل معالجة للبیانات الشخصیة یقوم بها مقدم خدمة الاتصالات الالکترونیة المتاحة للجمهور. ومن ثم یکفل القانون الحمایة القانونیة للحیاة الخاصة فى العالمین التقلیدى والرقمى. راجع للمزید حول حمایة الحقوق والحریات الأساسیة عبر شبکة الانترنت:

A. Lepage, Libertés et droits fondamentaux à l'épreuve de l'Internet: Litec, Coll. Droit@Litec 2002.

د. أسامة بن غانم العبیدى: حمایة الحق فی الحیاة الخاصة فی مواجهة جرائم الحاسب الآلی و الإنترنت، بحث منشور فى المجلة العربیة للدراسات الامنیة والتدریب (السعودیة) , مج 23, ع 46, إبریل عام 2008.

وذهب البعض إلى القول بأن " الخصوصیة هى حق جمیع الأفراد والمؤسسات فى تحدید کیفیة وصول معلوماتهم الخاصة إلى الآخرین “. راجع:

 - Alan F. Westin, Privacy and Freedom Hardcover – April 16, 1970.P.7.

[5] - ولا عجب فی ذلک لأننا أصبحنا نعیش فی عالم قد تحول فیه کل شیء من حولنا إلى الکترونی، وأضحت المواقع الإلکترونیة تلبی لنا احتیاجتنا دون عناء واختفى فی هذا العالم الافتراضی السوق التقلیدی وحل محله السوق الافتراضی.

حیث إنه لا یمکننا إنکار أنه یتم یومیًا إجراء ملیارات من التعاملات والتعاقدات، وکل یوم هنالک من المعاملات ما له جوانب قانونیة تتعلق بالبیانات الشخصیة، وطبقًا لبعض الإحصائیات یوجد حالیًا 3.2 ملیارمستخدم للانترنت حول العالم، یوجد کذلک 207 ملیار من الرسائل الالکترونیة؛ و 9 ملیار مشاهدة لمقاطع فیدیو على یوتیوب، 4.2 ملیار عملیة بحث على غوغل، 2.3 ملیار جیجابایت حرکة مرور على الویب، 803 ملیون تغریدة، 136 ملیون صورة على انستغرام، 152 ملیون مکالمةعبر سکایب، 36 ملیون عملیة شراء عبر امازون. راجع عن تلک الاحصائیات: البنک الدولی، تقریر عن التنمیة فی العام 2016؛العوائد الرقمیة، منشورات البنک الدولی، واشنطن، 2016، ص6. متاح الکترونیاً ایضاً على الموقع الالکترونی للبنک الدولی. http://www.albankaldawli.org/dataandresearch / آخر زیارة السبت الموافق 21/5/2016.

[6]- Jean-Michel Bruguiere, Droits patrimoniaux » de la personnalité— RTD civ. 2016. 1 — 21 mars 2016.et , V. E.-H. Perreau, Les droits de la personnalité: RTD civ. 1909, p. 501. – B. Beignier, Les droits de la personnalité: PUF 1992, coll. Que sais-je ?. – P. Ancel, L'indisponibilité des droits de la personnalité, une étude critique des droits de la personnalité: Thèse Dijon, 1978. – T. Hassler, La crise d'identité des droits de la personnalité: LPA 2004, p. 3. – Ph. Malaurie, Les droits de la personnalité en 2003: Mél. Decocq 2004, p. 469 s

[7] - ولا ننکر أن هناک بعض النصوص القلیلة المتفرقة فی القانون رقم 3 لسنة 2003 بإصدار قانون تنظیم الاتصالات التی قد کفلت شبه حمایة قانونیة لخصوصیة المکالمات الهاتفیة لمستخدمی شبکة الاتصال مثل المادة 2 من الباب الأول وفقرة 19 من المادة 25 ذوفقرة 4 من المادة 73. ولکن هذه الحمایة محدودة النطاق وخاصة فقط بسریة المکالمات الهاتفیة ولا تتعداها إلى استخدام شبکة الانترنت.