المسئولية المدنية لمشغل المنشأة النووية دراسة تحليلية فى ظل القانون رقم 7 لسنة 2010

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المدرس بقسم القانون المدنى کلية الحقوق - جامعة اسوان

نقاط رئيسية

تکملة المقال داخل الملف المرفق

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

یلعب التطور العلمى والتقنى دورا هاما فى حیاة الامم وتقدمها. ویرتب هذا التطور الکثیر من العلاقات الاجتماعیة المستحدثة التى تکون بحاجة الى قواعد اجتماعیة تلائمها، لا سیما قواعد قانونیة تنظمها بما یتناسب وحداثتها. وان کان للتطور العلمى والتقنى اثاره الایجابیة إلا انه غالبا ما یصاحبه اضرارا – اثارا سلبیة - لا یمکن تلافیها ولذلک کان من الضرورى على الاقل علاجها من خلال احکاما قانونیة تعمل فى اطار من التوازن بین التشجیع على التطور العلمى والتقنى وحمایة مصالح المجتمع وافراده من مخاطر هذا التطور.

و لعل من اهم صور التطور العلمى والتقنى اکتشاف الطاقة النوویة، التى أصبح استخدامها ضرورة بسبب اقدام مصادر الطاقة التقلیدیة على النضوب، بالإضافة إلى الاستخدامات الکثیرة للإشعاعات النوویة فى الطب والصناعة. وقد بادرت کثیر من الدول إلى إقامة منشآت خاصة لإنتاج الطاقة النوویة فى محاولة منها للاستفادة مما یقدمه هذا النوع الجدید من الطاقة. فإذا کانت الطاقة هى العمود الفقرى لأى مجتمع أو اقتصاد، فإن الصناعة النوویة، على وجه الخصوص، هى إحدى أهم ابتکارات الإنسان وإبداعاته، ولکن مثل هذه الصناعة التکنولوجیا لا تعطى للقائمین علیها مطلق الحریة فى ممارستها إلا من خلال ضوابط معینة[1].

هذا وبالرغم من الایجابیات التى تحققها المنشأت النوویة. إلا انه ظهرت لها مخاطر تحدث الأضرار بالأشخاص والأموال نتیجة استخدام مواد مشعة وإجراء تفاعلات نوویة، ومن الملاحظ أن تلک الأضرار لا تقتصر على حدود الدولة التى تقع فیها المنشأة النوویة، بل إنها احیانأ قد تجاوز حدود دولة المنشأة.

ولما کانت الطاقة النوویة، کنوع مستحدث من الطاقة تمثل ظاهرة اقتصادیة واجتماعیة یتولد عنها علاقات اجتماعیة فکانت الحاجة إلى إیجاد تشریع او قانون یتولى تنظیم التعویض عن اضرارها، وذلک من خلال تنظیم المسئولیة المترتبة على هذه العلاقات، ولذا سعت العدید من الدول المعنیة باستخدام الطاقة النوویة السلمیة إلى إیجاد تنظیم قانونى للمسئولیة عن الأضرار النوویة وذلک من خلال اتفاقیات دولیة تنظم هذا الشأن، بحیث تتوحد المبادىء الأساسیة للمسئولیة النوویة بما یوفر مواءمة فى القوانین الوطنیة، ویقضى على إمکانیة التمییز بین ضحایا الحوادث النوویة ویضمن خضوع مطالباتهم القضائیة إلى تشریعات موحدة مماثلة، دون النظر إلى مکان وقوع الحادث[2].

و فى المنتصف الاخیر من القرن العشرین ، اعتمد المجتمع الدولى عدد من الاتفاقیات تنظم استخدام الطاقة النوویة استخداما امنا ومضمونا وسلمیا ، وکانت اولى هذه الاتفاقیات هى اتفاقیة باریس عام 1960[3]، التى روجت فیها الدول الأوروبیة للاستعمالات السلمیة للطاقة النوویة، ومقررة فیها بعضاً من مبادىء المسئولیة الناشئة عن الأضرارا النوویة، وذلک لإحلالها محل القواعد التقلیدیة للمسئولیة، بحیث تکون لها خصوصیة تجعلها تتمایز عن مثلیتها فى القواعد العامة[4]. ومن خلالها کان ظهور مبدأ الزام مشغل المنشأة النوویة بتعویض المضرور عن الاضرار النوویة ذات الصلة بالمنشأة بصرف النظر عن طبیعة علاقة المشغل بالمضرور.

وبعد اعتماد دول غرب اوروبا للاتفاقیة المعروفة باسم اتفاقیة باریس بشأن المسئولیة قبل الغیر فى میدان الطاقة النوویة، ظهرت حاجة ملحة إلى توسیع الاعتراف الدولى بالمسئولیة الناشئة عن الأضرار النوویة على النحو الذى تنضم معه دول أخرى دون الاکتفاء بدول غرب أوروبا[5]، ومن هنا قامت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بعقد مؤتمر دولى وصلت من خلاله الى عقد اتفاقیة فیینا عام 1963[6]، والتى تعد أول اتفاقیة ذات طابع عالمى فى مجال تنظیم المسئولیة المدنیة عن الأضرار النوویة[7]، وقد انضمت لها العدید من الدول وبخاصة الدول النامیة.

غیر إن حادث تشیرنوبیل عام 1986 [8]، کان دافعاً لتحفیز کافة الأطراف المنضمة لکل من اتفاقیتى باریس وفیینا على توحید أحکامهما عام 1988 من خلال اعتماد البروتوکول المشترک بینهما [9]، کما دفعت تلک الحادثة إلى البحث عما إذا کانت نظم المسئولیة والتعویض القائمة تحمى بشکل فعال ضحایا الحوادث النوویة، لا سیما فى ضوء الآثار الضارة التى یمکن ان تحدثها تلک الحوادث على الأفراد والممتلکات والموارد الطبیعیة فى البلدان المجاورة[10]. فقد دفعت تلک الحادثة الدول نحو تعزیز جهودها التعاونیة الإستباقیة، ولیس فقط لمواجهة الحوادث الطارئة ولکن ایضا لوضع قواعد ثابتة تنظم المسئولیة والتأمین[11].

ولذلک، فقد أقر المشرعون بالحاجة إلى توسیع التغطیة الجغرافیة لاتفاقیات المسئولیة إلى أقصى حد ممکن، عبر إنشاء نظام دولى لتقدیم إطار للمسئولیة المنسقة لجمیع دول الجوار وهو ما تم عام1997. [12]

و عن موقف مصر من الاتفاقیات الدولیة المنظمة للمسئولیة المدنیة عن اضرار المنشأت النوویة نجد انه وبعد الاعتراف الدولى بالمسئولیة المدنیة عن الأضرار النوویة، بدأت مصر فى الانضمام لاتفاقیة فیینا، بعد أن بدأت تتجه نحو بدیل جدید للطاقة، حیث سعت جمهوریة مصر العربیة سعیا حثیثاً نحو إنشاء مفاعل نووى لتولید الطاقة الکهربائیة، وذلک من خلال العمل على تشیید منشأت نوویة غیر إن العدید من الصعوبات قد واجهتها فى ذلک حتى الان.

و مع ذلک کان لزاماً على المشرع المصرى تنفیذا لالتزاماته الدولیة أن یسن تشریعأ یتولى تنیظیم الأنشطة النوویة ضمن إطار قانونى یکفل حمایة المضرورین من مخاطر الأنشطة النوویة وما تسببه من أضرار ناشئة عن المنشأت النوویة، فضلا عن أن وضع قانون المسئولیة عن الأضرار النوویة ینشىء الیقین القانونى"اى الامان القانونى ومعرفة القانون الحاکم " لدى المستثمرین والموردین ومشغلى المصانع النوویة للدخول فى المشاریع النوویة، وتشیید المنشآت اللازمة. فمن المنطقى، ان توجد شکوکا وغموضاً لدى المستثمرین والموردین النووین فى ظل غیاب تنظیم تشریعی للمسئولیة یحدد مسئولیتهم حال وقوع أیة اضرار نوویة أضرت بالغیر.

و ترتیبا على کل ما تقدم فقد قام المشرع المصرى بإصدار التشریع رقم 7 لسنة 2010 المنظم للأنشطة النوویة والإشعاعیة، وفرض فیه نوع من التنظیم الخاص للمسئولیة المدنیة عن الاضرار النوویة الى جانب تنظیمة للانشطة النوویة والاشعاعیة. حیث الزم مشغل المنشأة النوویة دون غیره بتعویض المضرور عن الاضرار النوویة ذات الصلة بالمنشاة النوویة" وذلک فى ضوء احکام خاصة تحقق التوازن المنشود بین مصلحة قطاع الطاقة النوویة ومصلحة وامن وحمایة الافراد من اضرارها[13].



[1]- راجع د. محمد محمد سادات مرزوق، المسئولیة المدنیة للمرخص له بتشغبل منشأة نوویة، دراسة تحلیلیة فى ضوء قانون الانشطة النوویة والاشعاعیة المصرى والمرسوم الاتحادى الاماراتى فى شأن المسئولیة المدنیة عن الاضرار النوویة. دون ناشر ودون تاریخ نشر. وراجع ایضا:

A. Hariharan, India's nuclear civil liability bill and supplier's liability: One step towards modernizing the outdated international nuclear liability regime, William & Mary environmental law and Policy review, Volume 36, 2011, Issue 1, Article 8, P. 223.

[2]- L. Rimšaitė, Civil liability for unclear damage : Comparative analysis of international treaties, Social Transformations in Contemporary Society, Mykolas Romeris university, Lithuania, 2013 (1), P. 19.

[3]- Paris convention on third party liability in the field of unclear energy of 29th July 1960, as amended by the additional protocol of 28th January 1964 and by the protocol of 16th November 1982.

[4]- د. محمد محمد سادات مرزوق، المرجغ السابق ص3، وقارب د. محمد حسین عبد العال یوسف، المسئولیة المدنیة عن الاستخدام السلمى للطاقة النوویة، دراسة مقارنة، رسالة دکتوراة، کلیة الحقوق، جامعة اسیوط، 1993، ص 60 وما بعدها.

[5]- M-B. Lahorgue, Vingt ans après Tchernoblyl : un nouveau regime international de resposabilite civile nucleaire, Journal du droit international (Clunet). JCP, no 1, Janvier 2007, var2, P. 3.

[6]- Vienna Convention on Civil liability for nuclear damage 1963.

[7]- P. Sands and P. Galizzi, The 1968 Brussels convention and liability for nuclear damage, Nuclear law bulletin, No 64. December 1999, P. 7.

[8]- Chernobyl disaster on 26 April 1968.

[9]- M. G. Faure and T. V. Borre, Compensating nuclear damage: A Comparative economic analysis of the U. S. and international liability schemes, William & Mary environmental law and Policy review, Vol 33, 2008, Issue 1/5, P. 228.

[10]- J. A. Schwartz, international nuclear third party liability law: The response to Chernobyl in international nuclear law in the post- Chernobyl period ,OECD-NEA, 2006, p41. ,V. BOULANENKOV,présentation des caractéristiques fondamentales de la Convention sur la réparation complémentaire des dommages nucléaiars, Réform de la responsabilité civil nucléaire, Symposium international, Budapest, Hongrie 31 mai – 3 Juin 1999, P. 163.

[11]- M-B Lahorgue, op. cit. p. 1.

[12]- A. Daniel, Civil liability regimes as a complement to multilateral environmental agreements: Sound international policy or false comfort?, Review of European community and international environmental law (RECIEL) Volume 12, Number 3, November 2003, P. 226.

[13]- حیث نص المشرع المصرى صراحة على الزام المشغل بتعویض المضرور من الاضرار النوویة ذات الصلة بالنشاط النووى فى المواد ارقام 80، و81, و82، من القانون رقم 7 لسنة 2010.