نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
المعهد العالي للقضاء - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض
المستخلص
نقاط رئيسية
تکملة المقال داخل الملف المرفق
الموضوعات الرئيسية
المقدمة
الإنسان مدنی بالطبع([1])، محتاج إلى غیره؛ باعتباره کائناً اجتماعیاً یعیش مع الآخرین، الأمر الذی یستتبع دخوله مع غیره من الأفراد فی علاقات مختلفة، ومن تلک العلاقات، علاقات العمل؛ کون العمل یعد من أساسیات وأولویات الإنسان ذکراً کان أم أنثى، سواء أقام به بنفسه لنفسه أم قام به بنفسه لغیره، وفی کلتا الحالتین قد یکون العمل بدنیاً، أو ذهنیاً، أو بدنیاً وذهنیاً معاً.
وخلق الله سبحانه وتعالى الناس وقدر أرزاقهم وجعلهم یتفاوتون فی قدراتهم البدنیة والذهنیة، ویختلفون فی ظروفهم وإمکاناتهم الاجتماعیة والاقتصادیة، ومثلما تتفاوت قدرات الناس، فإن الطبقات الاجتماعیة والمستویات الاقتصادیة تتباین أیضاً تبعاً للظروف والعوامل التی تحکم المجتمع.
لذلک، نشأت الحاجة لدى الأفراد فی استخدام غیرهم لتدبر کثیر من شؤون حیاتهم، فکانت "ظاهرة الخدمة المنزلیة" باعتبارها ظاهرة إنسانیة قدیمة قِدم المجتمعات البشریة نفسها، حیث کانت مألوفة قبل الإسلام، وبعد ظهور الإسلام تعایش معها کظاهرة اجتماعیة طبیعیة.
و"الخدم" کمصطلح ورد فی کتب الشریعة الإسلامیة([2]) حل بعد انحسار ظاهرة "الرق" التی قضى علیها الإسلام، وأصبح لخدم المنازل حقوقهم وکرامتهم الإنسانیة.
إن "ظاهرة الخدمة المنزلیة" وإنْ کانت موجودة منذ القدم، لکنها أصبحت فی وقتنا الحاضر منتشرة وأکثر شیوعاً فی المجتمع الأردنی والسعودی خاصة، والمجتمع العربی عامة، ولم تعد من الکمالیات أو خاصة بالأفراد الأغنیاء، بل أصبحت ضرورة فرضها الواقع العملی.
وبسبب انتشار هذه الظاهرة، ظهر عقد الخدمة المنزلیة، کوسیلة قانونیة لتنظیم العلاقة بین الخادم وصاحب العمل.
هذا ویعد مصطلح "عقد الخدمة المنزلیة" من المصطلحات الحدیثة نسبیاً، حیث یرجع استخدامه إلى أوائل القرن العشرین([3])، إذ کان ینظر لعمل الإنسان قبل ذلک على أنه سلعة، وکان هذا العمل یخضع لأحکام الإجارة.
وقد عرفت الشریعة الإسلامیة الغرّاء نظام الإجارة على الأعمال وتسمى إجارة الأشخاص([4]).وتقع على صورتین، الأولى: الأجیر المشترک، والثانیة: الأجیر الخاص([5]).
وقد عنیت الشریعة الإسلامیة بتنظیم أحکام الأجیر الخاص، وسنحاول إسقاط أحکامه على عقد الخدمة المنزلیة؛ باعتبار أن هذه الصورة هی الأقرب شبهاً فی أحکامها إلى العقد المذکور؛ مستعیناً بالله تعالى على قطف زهرات جهود الفقهاء المسلمین العظیمة التی نثروها فی حدائق متشابکة الأغصان والأوراد، وإلا فکیف لأمثالی کباحث قانونی أن یستعرض موقف الشریعة الإسلامیة من موضوع الدراسة بجهده، لکنی شمرت عن ساعد الجد واستشرت أهل الخبرة؛ کی أقدم – إن شاء الله تعالى – دراسة فقهیة قانونیة مقارنة بشأن أحکام عقد الخدمة المنزلیة ووضع لَبنة إسلامیة وقانونیة إضافیة مما أجده واجباً علیَّ تجاه مکتبتنا الإسلامیة والقانونیة.
وعلى المستوى القانونی، وتحقیقاً لتنظیم العلاقة القانونیة بین أطراف هذا العقد، فقد أصدر المشرع الأردنی نظام العاملین فی المنازل وطهاتها وبستانینها ومن فی حکمهم رقم (90) لسنة 2009م([6])، الصادر بمقتضى الفقرة (ب) من المادة (3) من قانون العمل رقم (8) لسنة 1996م([7]) وتعدیلاته. کما أقر المشرع السعودی لائحة عمال الخدمة المنزلیة ومن فی حکمهم رقم (310) تاریخ 7/9/1434هـ([8]) الموافق 15 تموز 2013م، وذلک بموجب المادة (7) من نظام العمل الصادر بالمرسوم الملکی رقم (51) تاریخ 23/8/1426هـ([9]) الموافق 27 أیلول 2005م.
وجرت خلال الدورة التاسعة والتسعین (2010م) لمؤتمر العمل الدولی المناقشة الأولى للمسألة المتعلقة بالعمل اللائق للعمال المنزلیین؛ بهدف تعریف المهنة ووضع توصیف حقیقی لممارسات وواجبات وحقوق هذه المهنة، کما تم مناقشة هذه المسألة فی الدورة المائة (2011م)؛ بهدف اعتماد اتفاقیة بشأن هذا العمل، وقد تمت هذه المناقشة بین أغلب دول العالم، وکانت الأردن والسعودیة من أعضاء ذلک المؤتمر([10])، ونشیر هنا إلى التوصیة التی خرج بها مکتب العمل الدولی وهی: "حمایة حق أصحاب عمال العمل المنزلیین فی إنشاء منظمات أو اتحادات عامة لأصحاب العمل أو الانضمام إلى منظمات أو اتحادات عامة لأصحاب العمل من اختیارهم"([11]).
وبناءً على ذلک، اعتمدت منظمة العمل الدولیة([12]) فی حزیران 2012م اتفاقیة العمل اللائق للعمال المنزلیین رقم (189).
وبالرغم أن ظاهرة الخدمة المنزلیة – کما أسلفنا – ظاهرة قدیمة، إلا أن إبرام عقود هذه الخدمة لم تبدأ فی الانتشار إلاّ حدیثاً، ومن ثم بدأ یظهر العدید من المشاکل القانونیة المتعلقة بهذه العقود.
([2]) ینوه الباحث أنه والتزاماً منه بما ورد فی کتب الشریعة الإسلامیة الغراء، فإنه یستخدم فی هذه الدراسة مصطلح "خدم المنازل".
)[3])Goldborough, Reid, Management Commerciul Law, Bulletin, London, Jan/ Feb, 2014, p. 15.
Jeffrey, Mello, Managing Talework programs Effectively, Employ Respons Rights, Springer Science and Business, London, 2014, p. 45.
([4]) د. عصام عاطف بدران، عقد إجارة الأشخاص فی الفقه الإسلامی، رسالة دکتوراه، جامعة النجاح الوطنیة، نابلس، فلسطین، 1996م، ص45.
([5]) د. إبراهیم علی الله جویر القیسی، حکم الأجیر المشترک فی الفقه الإسلامی، بحث منشور فی مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامیة، جامعة الأنبار، العراق، العدد 91، 2014م، ص247. و د. شرف بن علی الشریف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، دار الشروق، جدة، ط1، 1400هـ - 1980م، ص23.
([8]) منشور فی الجریدة الرسمیة، (أم القرى)، العدد (4477) تاریخ 23/10/1434هـ الموافق 30 آب 2013م، ص138.
([9]) منشور فی الجریدة الرسمیة (أم القرى)، العدد (4068) تاریخ 25/9/1426هـ الموافق 28 تشرین أول 2005م.